مارس 19, 2024

ذا إيكونوميست: الطغاة يدفعون العالم العربي ليصبح أكثر علمانية لكنهم يعززون قوتهم عبر ذلك

 

كان المصلون خلال صلاة الجمعة مع محمد يوسف، الواعظ الشاب في بلدة المنصورة المصرية، يملؤون الأزقة المحيطة بالمسجد يوماً، أما الآن فسيكون الشيخ محمد ممتناً إذا امتلأ نصف المكان.

في القاهرة، على بعد 110 كيلومترات (68 ميلاً) جنوباً، تجلس النساء دون حجاب في مقاهي الشوارع وهن يدخن النارجيلة في المقاهي التي كانت مخصصة تقليدياً للذكور، وبعض المحلات تبيع الكحول الذي يحظره الإسلام. يقول الشيخ محمد: “نحن في تراجع ديني”، ويشاطره الكثير من رجال الدين اليأس نفسه في مناطق كثيرة من العالم العربي.

ووفقاً لاستطلاع قام به المؤشر العربي فإن المنطقة تعرف تراجعاً في النمو الديني. وقد شعر الناخبون الذين دعموا الإسلاميين، بعد اندلاع الربيع العربي في عام 2011، بخيبة أمل إزاء أداء الإسلاميين وغيروا آراءهم. ففي مصر انخفض دعم فرض الشريعة الإسلامية من 84٪ في عام 2011 إلى 34٪ في عام 2016. كما أصبح عدد المصلين المصريين محدوداً (انظر الرسم البياني). أما في أماكن مثل لبنان والمغرب فإن المسلمين الذين یستمعون إلی تلاوة القرآن الآن بلغ النصف مقارنة بعام 2011. وقد أصبحت المساواة بین الجنسین في التعلیم ومکان العمل، التي عرقلتها التقالید الإسلامیة منذ زمن طویل، مقبولة علی نطاق واسع. يقول مايكل روبنز، الأمريكي الذي يرأس المؤشر العربي: “إن المجتمع يقود التغيير”.

20171104_MAC131

لكنها أيضاً محصلة جديدة للقادة العرب، خاصة الذين عدلوا سياساتهم بما يتماشى مع روح العصر. حيث يتصرفون بمنأى عن المصلحة السياسية الضيقة. حتى أصحاب السلطة في المنطقة الذين حاولوا التعاون مع الإسلاميين في وقت سابق، أصبحوا يعتبرونهم اليوم أكبر تهديد لحكمهم. إن كبح نفوذ رجال الدين يعني إضعاف توازنات القوة الخاصة بالحكام، ومع ذلك يبدو أن العديد من القادة العرب مهتمون حقاً بصياغة مجتمعات أكثر علمانية وتسامحاً، حتى لو لم تكن إصلاحاتهم تمتد إلى المجال السياسي.

قادت دولة الإمارات العربية المتحدة الطريق نحو تخفيف القيود الدينية والاجتماعية، وبينما قاد محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي وقائد الإمارات العربية المتحدة، حملة إقليمية ضد الحركات الإسلامية، فقد مول بناء فروع الجامعات الغربية والمعارض الفنية. وشجع الشابات على الخروج من العزلة المحلية والمشاركة في الخدمة العسكرية، وشمل ذلك ابنته، وكثيراً ما تمشي الجنديات في الشوارع بزي عسكري رسمي. في تناقض واضح مع القادة القوميين في المنطقة بعد الاستقلال، الذين طردوا الأرمن واليونانيين والإيطاليين واليهود من مجتمعاتهم، تبنى محمد بن زايد مبدأ التنوع، على الرغم من القيود الصارمة التي لا تزال مفروضة على المواطنة.

في مصر، لم يحظر الرئيس عبد الفتاح السيسي فقط جماعة الإخوان المسلمين، وهي الحركة الإسلامية البارزة في المنطقة، لكنه ندد بـ”تعصب” الأزهر أقدم مقر لتعلم الدين في العالم الإسلامي، كما أغلق الآلاف من المساجد، وقال إن المسلمين يجب ألَّا يذبحوا الأغنام في منازلهم خلال الأعياد دون ترخيص، وحظر اللباس الإسلامي للسباحة “البوركيني” في بعض الشواطئ، وحضر السيسي، في مبادرة لم يقم بها سابقوه، عيد الميلاد في الكاتدرائية القبطية في القاهرة ثلاث سنوات متتالية (على الرغم من أنه لا يبقى طويلاً). وفي هذا الصدد قال مسؤول مصري: “لقد أصبحنا أكثر أوروبية”.

التحول الأكثر وضوحاً، وإن كان ناشئاً، في المملكة العربية السعودية الشديدة المحافظة، حيث قام محمد بن سلمان ولي العهد الشاب بوقف الشرطة الدينية، وأقال الآلاف من الأئمة، وأطلق مركزاً جديداً للرقابة من أجل مراقبة “النصوص المزيفة والمتطرفة”، وسيسمح للنساء قريباً بقيادة السيارات والدخول إلى الملاعب الرياضية. كما يتم تشجيعهن بالفعل على العمل. ويريد الأمير محمد الآن إنشاء مدينة جديدة، نيوم، تبدو على غرار دبي، تظهر في أشرطة الفيديو الترويجية لها نساء دون حجاب مع الرجال. وقال ولي العهد أمام المستثمرين الأجانب في تشرين الأول/أكتوبر: “إننا نعود فقط إلى ما كنا عليه؛ إلى الإسلام المعتدل، وننفتح على كل العالم وعلى كل الأديان”.

الخطوات نحو الاعتدال محدودة الانتشار، ففي البلدان ذات الحكومات الأقل ديناميكية، مثل الجزائر والأردن وفلسطين، تظهر استطلاعات الرأي أن دعم الشريعة والتعاطف مع الحركات الإسلامية مرتفع ومتنامٍ. لكن يمكن العثور على العلمانيين حتى في أكثر المناطق تحفظاً. يتجمع الكثيرون حول المقاهي في مدينة الموصل في العراق، أحد أهم معاقل الدولة الإسلامية، كما يوجد بالمدينة العديد من الأساتذة الملحدين الذين أعادوا فتح قسم الفنون الجميلة بعد أن أغلقته الدولة الإسلامية قبل ثلاث سنوات، رغم تراجع قدرته الاستيعابية للطلبة.

إن الصعوبات الاقتصادية، التي ينظر إليها منذ وقت طويل على أنها تغذي حركات المعارضة الإسلامية، قد تؤدي أيضاً إلى تآكل الآراء التقليدية بشأن دور المرأة في المجتمع. وفي ظل ارتفاع التضخم وتخفيض الدعم في العديد من البلدان نادراً ما يكون المرتب كافياً لدعم الأسرة؛ ولذلك يشجع الأزواج زوجاتهم على العمل. وتترك البنات منازلهن في المناطق الريفية للدراسة أو العمل في المدن. ويقول العاملون في مجال الصحة إن العلاقات غير الشرعية قبل الزواج تصبح أكثر شيوعاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن سن الزواج آخذ في الارتفاع (تكاليف المعيشة مرتفعة).

اعتدال دون تمثيل

يعد التغيير جيداً لليبراليي المنطقة الذين يريدون المزيد من الانفتاح السياسي، لكن الزعماء العرب يتصرفون مثل كمال أتاتورك، الديكتاتور التركي في أوائل القرن العشرين، الذي ألغى الخلافة والشريعة وحظر الزي التقليدي، وقام بذلك كله مع تعزيز سلطته.

وفي تنفيذ لأجندة تحديثية خفض الأمير محمد تحالف عائلته البالغ من العمر 250 عاماً مع رجال الدين الوهابيين، الذين فرضوا نسخة متشددة من الإسلام، ويبدو أن حكم المملكة الآن يقتصر على آل سعود. واعتُقل رجال الدين الذين أبدوا معارضة ضد المراسيم، كما تم اعتقال عشرات من الشخصيات العامة (بما في ذلك الليبراليون) الذين كانوا ينتقدون سياسات الأمير، في سبتمبر/أيلول.

وبينما شجع السيسي بالمثل انتقاد الحركات الدينية، فقد فرض رقابة غير مباشرة على انتقاد حكمه. وقد حظر مئات الصحف والمواقع الإلكترونية، وقام بتكميم أفواه الفنانين والموسيقيين الذين قد يثيرون المعارضة.

ومع ذلك يبدو أن العديد من العرب على استعداد للتخلي عن الحقوق السياسية مقابل الحريات الشخصية. وقد سمى استطلاع للرأي هذا العام الإمارات العربية المتحدة كأكثر دولة يرغب العرب العيش فيها، على الرغم من غياب الحقوق الديمقراطية. لكن العلمانية قد تستمر فقط لأن الطغاة يدفعون بالخطة نحو الأمام، بل إنها قد لا تصل للقدر الذي يحلم به النشطاء. فازت النساء السعوديات بالحق في القيادة فأخذ بعضهن دراجاتهن إلى الطرقات لاختبار حدود التسامح الرسمي.

المصدر: ذا إيكونوميست

الرابط : https://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21730899-they-are-consolidating-their-own-power-process-despots-are-pushing

ضع تعليقاَ