أبريل 26, 2024

معهد واشنطن: شهادة أمام الكونغرس … سياسة الولايات المتحدة وإستراتيجيتها في الشرق الأوسط

لم يفت الأوان بعد لكبح المغامرة الإيرانية وأن نقود العودة إلى الهدوء النسبي، ولكن الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة ونقاط ضعف المنطقة قد ساهمت في إيجاد  وضع خطير.

تشكل الأحداث التي وقعت على مدى الأشهر الثلاثة الماضية في الشرق الأوسط، من كركوك إلى سوريا، ومن بيروت إلى صنعاء، من الضربات الإيرانية الصاروخية ضد الأهداف السعودية والإماراتية الرئيسية إلى الهجمات الإسرائيلية المتزايدة على حزب الله وإيران في سوريا، نمطاً يدل على اتساع الأزمات الإقليمية، ومهارة إيران في الاستفادة منها، وغياب إستراتيجية توجيهية لدى الولايات المتحدة قادرة على حشد أصول دبلوماسية وعسكرية واقتصادية كبيرة لنا.

ومنذ أن اجتمعت هذه اللجنة أخيراً بشأن قضية الشرق الأوسط، شهدت المنطقة أحداثاً هامة. فقادت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً للنجاح في الحرب التقليدية ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا. وفي الوقت نفسه قامت إيران، بمساعدة من روسيا، بوضع حدٍ للحرب الأهلية السورية بشكل حاسم لمصلحة نظام الأسد الإجرامي. وأخيراً أعلن الرئيس ترامب عن السياسة الجديدة تجاه إيران في 13 تشرين الأول/أكتوبر.

ومع ذلك فإن المنطقة أقل أمناً، والنظام الأمني الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى منذ عام 1979. والسبب هو أنه بينما هُزم تهديدٌ واحد؛ وهو الإرهاب الإسلامي السني مؤقتاً في سوريا والعراق وتم احتواءه في أماكن أخرى، فإن التهديد الأكثر إستراتيجيةً وهو إيران ينمو بسرعة وتحرضه روسيا إلى حد ما. وهذان التهديدان مرتبطان طبيعياً؛ حيث تستفيد إيران من المناطق الخارجة عن سيطرة الدول والتي يجتاحها الإرهابيون الإسلاميون من اليمن إلى سوريا، وتبرر عدوانها بأنه “مكافحةٌ للإرهاب”. وفي الوقت ذاته عندما تفشل الولايات المتحدة في احتواء إيران، فإن السكان السنة يحتضنون جماعاتٍ مثل تنظيم الدولة والقاعدة لحماية أنفسهم.

جعل إعلان الرئيس ترامب في 13 تشرين الأول/أكتوبر بشأن إيران بحكمةٍ أولى أولويات الولايات المتحدة مواجهة النشاط الإيراني المزعزع للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، على الرغم من الإشارة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) والتي تُعرف بالاتفاق النووي. وبجانب التزام الرئيس باتفاقٍ فلسطيني إسرائيلي، ومكافحة الإرهابيين من تنظيم القاعدة وطالبان وتنظيم الدولة في جميع أنحاء المنطقة، لدينا الخطوط العريضة لسياسةٍ إقليمية جديدة، مبنية على نجاحنا ضد داعش، وعلى أساس الشركاء المحليين، والتعبئة الدبلوماسية، وقوة عسكرية محدودة ولكن حاسمة. ومع ذلك لم توضح هذه السياسة حتى الآن كيف سنكبح جماح إيران على وجه التحديد، وكيف سنطمئن شركاءنا الإقليميين.

لكن إيران، التي مكنتها روسيا، لديها خطة مفصلة للمنطقة: إخفاق رئيس الوزراء الحريري في لبنان، وموت الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، والهجمات الصاروخية على الرياض، والتهديدات لإسرائيل من سوريا ولبنان، وسحق جهود استقلال الأكراد العراقيين كلها تحمل بصمات إيران بشكل مباشر أو غير مباشر. ولغياب خطة أداء تفصيلية مصنوعة في واشنطن ومنفذة بنجاح، فإن شركاءنا “يرتجلون” على نحوٍ غير منسّق تستغله إيران بعد ذلك لمواصلة توسيع دائرة مكاسبها. وهناك خطر جسيم بأن ينفجر حادث أو آخر متحولاً إلى صراع إقليمي إذا لم ننسق بسرعة مع شركائنا ونوضح خطتنا لاحتواء إيران.

أهمية المنطقة، والأصول الأمريكية

أي خطة أمريكية يجب أن تبدأ بالأساسيات ألا وهي أهمية المنطقة في أمن ورفاهية أوراسيا، وهو هدف أمريكي أساسي منذ عام 1917. يعد الشرق الأوسط عنصراً أساسياً موحِداً لأوراسيا، ومصدراً للعديد من الصراعات في العالم منذ عام 1947، وعنصراً أساسياً في نظام الأمن العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. لذلك فإن الفشل في حل النزاعات هناك يؤثر على أمننا الداخلي وعلى استقرار حلفائنا، كما شهدنا في الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وزعزعة استقرار تدفق اللاجئين من سوريا، والتهديدات الناجمة عن أسلحة الدمار الشامل. وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال إمدادات الطاقة في المنطقة حيوية بالنسبة لصحة الاقتصاد العالمي.

ومع زوال تنظيم الدولة فإن إيران هي بوضوح التهديد الرئيسي للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة. ولكن التهديد الإيراني هو، بكلمات هنري كيسنجر، دولة تفرض طموحات الهيمنة وبنفس الوقت ذات قضية دينية ثورية. هذا البعد الأخير يحفز التهديد الإقليمي الكبير الآخر؛ العنف المتطرف السني. لقد كنت شاهداً على صعود تنظيم الدولة من فرقة تنظيمية صغيرة للقاعدة في الموصل في عام 2012، إلى قوة إقليمية كبرى بحلول عام 2014؛ بسبب قمع العرب السنة من قبل وكلاء إيران؛ رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي في العراق والرئيس بشار الأسد في سوريا. وبينما هزم تنظيم الدولة إلى حد كبير الآن في بلاد الشام، فما زلنا نخاطر بتكرار تجربة 2012-2014.

يمكن لأي خطة في الولايات المتحدة الاستفادة من الأصول الهامة، فمعظم دول المنطقة هم شركائنا الأمنيون، مع تفوق تقليدي كبير لجانب القيادة المركزية الأمريكية على إيران، حتى مع الدعم الروسي. وتأتي الغالبية العظمى من صادرات النفط في المنطقة من شركاء أمريكا. تستطيع إيران، رغم مزاعمها كقوة ثورية إسلامية، تعبئة حلفاء محليين من المسلمين الشيعة الذين يشكلون 15 في المئة من سكان المنطقة،لكن في بعض الأماكن مثل العراق يشعر العديد من الشيعة بالقلق إزاء التجاوزات الإيرانية. ونتيجة لدعم إيران وروسيا للإبادة الجماعية التي يمارسها نظام الأسد، بما في ذلك استخدامه للأسلحة الكيميائية، وإثارة تدفقات ضخمة للاجئين، والهجمات الإرهابية على جيران سوريا وأوروبا، فقد فقدتا أي حجة أخلاقية.

إجراءات فورية

يجب أن تبدأ أي خطة أمريكية بتحليل إستراتيجية إيران التي تركز على البدائل المحلية الموالية لطهران أكثر من بلدانها، لتجنب المسؤولية والمحاسبة في الوقت الذي تتقدم فيه قضيتها في الدول ضعيفة السلطة. كما أنها تستغل عدم الاستقرار، واثقة من أن الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين، وحتى البعض في المنطقة يفضلون الاستقرار قصير المدى على مواجهة فعالة لاستغلال إيران للحكومات الضعيفة والصراعات. ومن ثم فإن على الولايات المتحدة تعزيز الدول القومية في المنطقة، والتحرك بسرعة في مواجهة إخفاقات الحكم التي تثير الإرهاب وتفتح الباب أمام التدخل الإيراني.

يجب أن تجيب أي سياسة مفصلة بشأن إيران أيضاً عن ستة أسئلة: (1) ما هي الأهداف الأساسية للسياسة؟ (2) ما الذي يجب القيام به الآن بشأن الجبهة المركزية؛ العراق وسوريا؟ (3) كيف نعبئ الحلفاء؟ (4) ما هو دور خطة العمل الشاملة المشتركة(JCPOA)؟ (5) كيفية الرد عندما تهاجم إيران (6) كيف وهل علينا التواصل مع طهران؟

واقتراحاتي بشأن كل سؤال هي التالي:

1- يجب على الولايات المتحدة ألَّا تسعى إلى تغيير النظام، ولا أن تتصور التحدي الإيراني وفق المفهوم الشيعي السني. فمن شأن أي من هذين النهجين أن يجبر إيران على المزيد من التعبئة، وأن يضعف الشركاء المحتملين بما في ذلك تركيا وأوروبا، وأن يسمح لروسيا بالدفاع عن المسلمين الشيعة في طهران. يجب أن يكون التركيز، بدلاً من ذلك، على حسر الجهود الخبيثة لإيران لتخريب الدول والاستيلاء عليها في نهاية المطاف.

2- الجبهتان الرئيسيتان هما العراق وسوريا، اللتان ينبغي النظر إليهما، كما تعتبرهما إيران، كمسرحٍ واحدٍ ولكن بمنهجية مختلفة. ففي العراق لدينا حكومة ودية نسبياً مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، وعلاقات عميقة مع الكثير من السكان، ومشاعر كبيرة معادية لإيران بما في ذلك بين بعض رجال الدين العراقيين الشيعة. وينبغي للولايات المتحدة أن تقود الجهود الدولية الرامية إلى إدماج العراق في المجتمع الإقليمي والعالمي، بما في ذلك إعادة الإعمار والمساعدة في قطاع الطاقة. كما يجب على الولايات المتحدة أن تضغط من أجل استمرار بقاء التدريب العسكري الأمريكي، لمنع عودة ظهور تنظيم الدولة وضمان عدم اعتماد العراق على إيران للدعم العسكري. ولا ينبغي أن يكون الهدف أن يكون العراق كـ “برلين الغربية في الشرق الأوسط”، وهو أمر غير مجدٍ، بل كفنلندة، وألَّا يسمح لإيران ولا للولايات المتحدة باستعراض السلطة عليه. ولا ينبغي السماح للحكومة العراقية، التي تحرضها إيران، بأن تختار علاقاتها معنا وأن تتمتع بدعمنا الاقتصادي والدبلوماسي في الوقت الذي تذعن فيه للتخريب والتحركات العسكرية الإيرانية.

أما في سوريا فقد كان إعلان وزير الدفاع جيم ماتيس أن القوات الأمريكية ستبقى لمواجهة احتمال عودة تنظيم الدولة، ولبناء حلفاء محليين لمكافحة الإرهاب، وللمساهمة في مسار جنيف، مهماً. فلا يمكن للولايات المتحدة أن تملي الأحداث في سوريا، ولكن يمكن لحضورها أن يكبح من حرية إيران وروسيا في الحركة. وبصرف النظر عن الجيوب الأمريكية والحلفاء المحليين في الشمال والجنوب، فإن إسرائيل وتركيا الحليفتين للولايات المتحدة تعملان عسكرياً أيضاً في سوريا، ولهما نفس الهدف الأساسي المتمثل في كبح إيران، على الرغم من كون الاختلافات في التكتيكات، وخاصة مع تركيا، هائلة. يعطي قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الولايات المتحدة والمنطقة مبرراً قانونياً لإبداء الرأي في أي منظمة سياسية داخلية سورية، نظراً للأثر المروع للحرب الأهلية السورية ليس فقط على الشعب السوري وإنما على المنطقة. كما أن سوريا بحاجة ماسة لإعادة الإعمار، وهذا يعطي الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين النفوذ لدى سوريا ومسانديها. إن تجميع كل هذه الأصول معاً لاحتواء إيران في سوريا هو جهد ديناميكي غير مؤكد، ولكنه أقل خطورة بكثير من التخلي عن سوريا مرة أخرى.

3- يشعر مختلف الشركاء الإقليميين والحلفاء الأوروبيون بالقلق إزاء إيران، ولكن استجاباتهم كانت متباينة وغير منسقة في غياب خطة مشتركة تقودها الولايات المتحدة. إن الوضوح في الخطط والأهداف الأمريكية والنجاح ضد إيران على وجه الخصوص سيساعد في حشد الحلفاء، ولكن يجب على الولايات المتحدة أن تضبط النظام وأن تراقب الشركاء باستمرار. ويجب أن يكون التنسيق مع واشنطن قبل التصرف هو الثمن الذي يدفعونه مقابل القيادة الأمريكية.

4- لغياب دليل دامغ على أن المجتمع الدولي سوف يصطف وراء الولايات المتحدة لفرض عقوبات نفطية صارمة على إيران كما حدث في عام 2012، فيجب ألَّا تنسحب واشنطن من خطة العمل المشتركة الشاملة JCPOA. فلن يكون للعقوبات الأمريكية تأثير يذكر على إيران دون تعاون دولي، ولكنها ستعطي إيران ذريعة بموجب المادة 36 من خطة العمل المشتركة للتنصل من بعض التزاماتها، ومن ثم تقترب من الحصول على الأسلحة النووية، في حين سيلقي العالم باللوم على الولايات المتحدة. إن سياسة الرئيس في الحفاظ على تجاهل الاتفاق وانتقاد ثغراته وخاصةً نشاط الصواريخ وبنود الانقضاء [المؤدية إلى فسخ الاتفاق]، وعدم تشجيع الصفقات التجارية مع إيران، هي سياسةٌ متزنة.

5 – تظهر التجربة المريرة مع إيران على مدى عقود أنها تستجيب بعنف عندما يتم تحديها، ولكن بطرق تجعل مسؤوليتها غير واضحة. وتحتاج الولايات المتحدة إلى أن تعرف وأن تتشاور حول كيفية ردها، بما في ذلك إمكانية العقاب المباشر ضد إيران، إذا كانت تريد ردع الهجمات الإيرانية.

6- معارضة عدو لا تستبعد التواصل معه. ولكن إلى أن تكون الولايات المتحدة واضحة في خططها وتكسب ثقة الشركاء وتحقق نجاحات فيجب أن تقتصر الاتصالات مع إيران على الإشارة إلى الخطوط الحمراء وتسوية الصراع، كما هو الحال في الخليج. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى توضيح الأهداف الأمريكية لإيران في نهاية المطاف.

ولم يفت الأوان لتقود الولايات المتحدة عودة الاستقرار الإقليمي والهدوء النسبي، ولكن الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات المتعاقبة والضعف في المنطقة أسهما في تشكيل وضعٍ خطر. وعلى الولايات المتحدة أن تضمن أن يثبط كل ما تفعله في المنطقة إيران، ولا يشجعها. ولكن لم تكن تلك هي القضية على الدوام.

المصدر: معهد واشنطن

الكاتب:  James F. Jeffrey “جيمس اف جيفري: الزميل المتميز لفيليب سولوندز في معهد واشنطن، والسفير الأمريكي السابق في العراق وتركيا”

الرابط:  http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/u.s.-policy-and-strategy-in-the-middle-east

ضع تعليقاَ