مايو 4, 2024

قرار وقف الأعمال العدائية (2268) كأساس لمناقشة القضية السورية في مجلس الأمن بدلاً من القرار (2254)

عدم إدراج القرار 2254 ضمن أعمال مجلس الأمن واستبدال تقرير المبعوث الأممي بخصوص تطورات العملية السياسية بجلسة خاصة لمناقشة القرار 2268 الذي يعد خطوة لاحقة لقرار مجلس الأمن 2254، خطوة غير معتادة من مجلس الأمن وسيكون لها ما بعدها.

بعد تأخر غير معهود في مجلس الأمن صدر البرنامج الشهري المتوقع للمجلس لشهر ديسمبر 2022، وفيما يخص سوريا فقد تضمن البرنامج عدة نقاط تتعلق بسوريا تتعلق بمتابعة أعمال اللجان المختصة بنزع الاسلحة الكيمياوية والمساعدات الإنسانية ومشاريع التعافي المبكر ومناقشة القرار 2268 المتعلق بفرض التهدئة في سوريا -عوضاً عن القرار 2254-، وتمديد عمل قوات فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة في الجولان.

عدم إدراج القرار 2254 ضمن أعمال مجلس الأمن واستبدال تقرير المبعوث الأممي بخصوص تطورات العملية السياسية بجلسة خاصة لمناقشة القرار 2268 الذي يعد خطوة لاحقة لقرار مجلس الأمن 2254، خطوة غير معتادة من مجلس الأمن يجب أخذها بعين الاعتبار.

أهم البنود المتعلقة بسوريا في جدول أعمال مجلس الأمن لشهر ديسمبر 2022:

أولاً: عرض تقرير عن تنفيذ القرار 2118 (2013) المتعلق بنزع الأسلحة الكيماوية للنظام السوري:

ولا يتوقع أن يكون هناك مستجد عملي في هذا الجانب، رغم أن نقاشاً حاداً وتصريحات شديدة اللهجة ضد النظام صدرت من عدة جهات دولية بهذا الخصوص خلال شهر أكتوبر 2022، (قبل شهرين)

حيث قالت سفيرة المملكة المتحدة لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية جوانا روبر في كلمة لها أمام الدورة 101 للمجلس التنفيذي للمنظمة أن النظام استخدم بشكل واضح ومباشر للغاية أسلحة كيميائية من قبل، وما يزال يرفض الاعتراف بهذه الحقيقة، وأن إعلان النظام عن برنامج أسلحته الكيميائية غير مكتمل، ويعرقل جهود الأمانة الفنية للمنظمة، وأن برنامج الأسلحة الكيميائية للنظام السوري يجب أن يبقى على رأس أولويات المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة حتى يمتثل لالتزاماته القانونية، وأن المجلس تم إنشاؤه من أجل تعزيز التنفيذ الفعال لاتفاقية الأسلحة الكيميائية والامتثال لها، المملكة المتحدة وإيرلندا الشمالية تأخذان هذه المسؤولية على محمل الجد، وأكدت أن النظام السوري مسؤول عن ثمانية استخدامات موثقة من قبل المجلس للأسلحة الكيميائية.

بينما قال مستشار وزارة الخارجية الأميركية ديريك شوليت، خلال إيجاز صحفي بالسفارة الأميركية في لندن، أن واشنطن حققت في سوريا إنجازاً لم يكن أحد يتوقعه؛ وهو التخلص سلمياً من 13 ألف طن من الأسلحة الكيماوية عبر اتفاق رعته روسيا عام 2013، مقابل تجنيب النظام ضربة عسكرية عقب استخدامه السلاح الكيميائي.

وكانت الولايات المتحدة، في بداية شهر أكتوبر 2022 قد جددت اتهماتها للنظام السوري بأنه يحتفظ بـ”مخزون سري” من الأسلحة الكيماوية المحظورة دولياً. حيث قال نائب المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن النظام السوري لم يعلن عن برنامج أسلحته الكيماوية بالكامل، ويحتفظ “بمخزون خفي” من هذه الأسلحة، ما يبقي الخطر قائماً في احتمال استخدامه الأسلحة الكيماوية مرة أخرى ضد الشعب السوري وأن رفض النظام المستمر تقديم إجابات أو معلومات طلبها فريق تقييم الإعلان قبل سنوات، هو إهانة للمجلس ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

ثانياً: عرض تقرير عن تنفيذ القرارات المتعلقة المتعلقة بالمساعدات الإنسانية، ومشاريع التعافي المبكر

وتحديداً القرار  2642 (2022)، المتعلق بتمديد تفويض دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود لستة أشهر، ولا يبدو واضحاً إن كان الجدل المعتاد حول هذه القضية سيتم إثارته أم لا.

ثالثاً: جلسة خاصة لمناقشة تنفيذ القرار 2268 (2016)

هذا المستجد هو الأهم، فهذا القرار (2268) الذي اتخذ في 26 شباط/فبراير 2016 كان قد رحّب ببيان “المجموعة الدولية لدعم سورية” المؤرخ 11 شباط/فبراير 2016 المتعلق بإنشاء فريقي دعم أحدهما معني بالشؤون الإنسانية والآخر معني بوقف إطلاق النار ، كما أيد القرار 2268 البيان المشترك المؤرخ 22 شباط/فبراير 2016 الصادر عن الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، بوصفهما رئيسي “الفريق الدولي لدعم سورية”، والمتضمن بدء سريان وقف أعمال القتال في سوريا ابتداء من 27 شباط/فبراير 2016.

بينما تغيب هنا إحاطة المبعوث الأممي المتعلقة بسير العملية السياسية، ومستجدات تنفيذ القرار 2254 (2015)، واستبداله بمناقشة القرار 2268 الذي يركز على دور الولايات المتحدة وروسيا، في فرض الهدنة ووقف إطلاق النار، كما يركز على شمول جميع المجموعات المسلحة بالهدنة وعدم استهدافها من قبل روسيا أو الولايات المتحدة (باستثناء “تنظيم داعش” و “جبهة النصرة”، وأي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن الدولي).

رابعاً: مناقشة تجديد ولاية قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك

يتعلق القرار 2639 (2022) بقوات الأمم المتحدة المتواجدة في الجولان التي سينتهي تفويضها في 31 ديسمبر 2022، ويتم تجديد مهام هذه القوات بشكل دوري التزاماً بأحكام اتفاق عام 1974 لفض الاشتباك بين القوات، المبرم بين إسرائيل وسورية.

من هي المجموعة الدولية لدعم سوريا (ISSG)

هي مجموعة الدول العشرين التي اجتمعت في النمسا وخاضت محادثات “فيينا للسلام في سوريا”، في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015،

غاية هذه اللقاءات التي عقدت على مستوى وزراء الخارجية هي إيجاد حل للصراع في سوريا، وأسفرت في ذلك الوقت عن ما عرف بـ “خطة سلام لسوريا” تم نشر بنودها في بيان مشترك صدر عن رئاسة هذه المجموعة التي تضم الولايات المتحدة وروسيا.

تتكون المجموعة الدولية لدعم سوريا في الأصل من 20 مشاركاً هم كل من الصين، مصر، فرنسا، ألمانيا، إيران، العراق، إيطاليا، الأردن، لبنان، عمان، قطر، روسيا، السعودية، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، جامعة الدول العربية، الاتحاد الأوروبي، والامم المتحدة، ولا تضم ممثلين سوريين. ولاحقاً جرى إضافة 7 أعضاء آخرين.

يمكن اعتبار هذه المجموعة هي الجهة الفعلية المسؤولة عن تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي من المفترض أن يؤسس للحل في سوريا،

بعد اجتماعات فيينا وصدور البيان المشترك الذي عبر عن إعلان وقف إطلاق نار وتحدث عن خطة سلام سوريا، اجتمعت “المجموعة الدولية لدعم سوريا” عدة مرات في 2016 ثم ما لبثت أن توقفت عن الاجتماع لتتم إدارة المشهد في سوريا عملياً من خلال جهود المبعوث الأممي (ديمستورا ثم بيدرسون) الذي ركز على محاولة تفعيل مسار عملية سياسية وصولاً إلى مشروع اللجنة الدستورية الذي تعطل عن العمل، ومن خلال محادثات استانة وسوتشي التي تُعقد برعاية الدول الضامنة (روسيا تركيا إيران).

دلالات إدراج القرار 2268 بدلاً من 2254

يعد عدم إدراج القرار 2254 على جدول أعمال مجلس الأمن بالتزامن مع ذكرى مرور سبع سنوات على سن هذا القرار، تطور مهم من جانب مجلس الأمن.

الدافع الأساس لهذه الخطوة يمكن حصره في نقطتين:

الأولى تتعلق بتعطل مسارات الحل السياسي وجهود المبعوث الأممي الذي فشل حتى الآن في التوصل إلى نتائج ملموسة في مسار الانتقال السياسي،

والثانية التصعيد المتزايد في سوريا واستمرار العمليات العسكرية وتجاوزها إلى مناطق خفض التصعيد من ناحية، وتصاعد حدة الاشتباكات بين تركيا وقسد، واستعداد تركيا لتنفيذ عملية عسكرية واسعة في شمال وشمال شرقي سوريا من ناحية أخرى، هذا التصعيد ينذر دائماً باحتمالية انهيار الاستقرار في سوريا والعودة لمربع المواجهة المفتوحة بين الأطراف، وهو ما يمكن أن يتطور بسهولة إلى مواجهة مباشرة بين جهات دولية بسبب تواجد جيوش الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران في مواقع متقاربة نسبياً، وهو ما أشار إليه المبعوث الأممي في إحاطته الأخيرة إلى مجلس الأمن في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 والتي ركز فيها على الأشكال المختلفة من المواجهات والتصعيد العسكري من مختلف الأطراف بالتزامن مع استمرار المعاناة على الصعيد الإنساني وتعطل اجتماعات اللجنة الدستورية، واقترح في ختامها العمل على عدة أمور في مقدمتها التراجع عن التصعيد واستعادة الهدوء النسبي.

لجوء مجلس الأمن للقرار 2268 يمكن أن يعزى إلى رغبة المجتمع الدولي للضلوع بشكل مباشر -من جديد- في عملية فرض الاستقرار في سوريا.

ولكن جلب هذا القرار إلى الطاولة من جديد كأساس لمناقشة التقدم في جهود العمل على المسألة السورية من طرف المجتمع الدولي، من الممكن أن يعيد تفعيل النقاشات على المستوى الثنائي بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا، وقياساً على ما سبق عندما كان الشأن السوري على طاولة النقاش بين الولايات المتحدة وروسيا في 2014 و2015 و 2016 فقد سمحت لقاءات كيري لافروف في وقتها بالحديث بين الطرفين في شؤون أوسع من الملف السوري وهو ما تحتاجه روسيا اليوم بشدة،

أيضاً من شأن هذه الخطوة أن توسع الدور الإقليمي والدولي في الشأن السوري عبر تفعيل المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تضم قرابة 27 عضواً، وهذا ربما يضعف أو يقلل من تفرد تركيا وإيران الى حد ما بالقرار الى جانب الولايات المتحدة وروسيا ويعيد تموضع هاتين الدولتين بالذات كفاعل إلى جانب 20 أو 27 فاعل دولي وإقليمي آخرين.

إحدى القضايا المهمة التي يثيرها القرار 2268، هو الجماعات المسلحة وشبه المسلحة المصنفة على قوائم الإرهاب حيث لا يتضمن القرار إشارة أو موقفاً واضحاً من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ولا ينص على تصنيفها ضمن المجموعات الإرهابية بالرغم من أن تركيا تعتبرها كذلك وتطالب المجتمع الدولي بالتعامل معها على هذا الأساس، وحالياً يوجد تصعيد كبير بين تركيا وقسد واشتباكات متواصلة، بينما وفق القرار فلا تصنف قسد ضمن المجموعات التي يمكن استهدافها.

وبما أن القرار يلزم الأطراف بوقف الأعمال القتالية فإن مصير العملية العسكرية التركية المرتقبة يصبح محط تشكيك أكثر من أي وقت مضى، وربما تضطر تركيا لإعادة التفكير فيها، وانتظار ما يمكن أن تنتج عنه نقاشات مجلس الأمن حول سوريا هذه المرة أو استباقها بما يضع الجميع أمام أمر واقع.

يمكن اعتبار القرار 2268 واحدة من المحطات القليلة التي شهدت توافقاً دولياً حول سوريا، في محاولة لسن خارطة طريق متوافق عليها لتطبيق القرار 2254، وقد استند بشكل أساس إلى فرض التهدئة أو حالة من وقف إطلاق النار مما يسمح بالعمل على مسارات الحل في سوريا، والعودة إلى هذا المربع اليوم بعد مرور 6 سنوات من المحادثات و الاتفاقات والتطورات على الصعيد السياسي والعسكري والإنساني، قد يعني إعادة النظر -بدرجة ما- بالقرار 2254 أو بمعنى أدق بتفسير وآليات تطبيق هذا القرار الذي شكل أهم أساس -بعد بيان جنيف 1-، استندت إليه معظم محادثات ومبادرات وتطورات الحل في سوريا.

ضع تعليقاَ