أبريل 30, 2024

ذا ناشينوال إنترست: قد يكون الاقتصاد المفتاح لإنهاء الحرب في سوريا

ستتطلب إعادة إعمار سوريا ما يزيد على 100 مليار دولار في السنة، و ببساطة إنه قدر من المال لا يمتلكه حلفاء الأسد.

كان للتحركات السياسية للرئيس دونالد ترامب في سوريا مزاياها، إذ زاد من الضغط العسكري ضد داعش، بانياً على الجهود التي تأسست في السنوات الأخيرة لإدارة أوباما. كما عمل ترامب كذلك على إعادة تأسيس خطٍ أحمرٍ أمريكيٍ ذي مصداقية تجاه استخدام الأسلحة الكيميائية، وبدأ كذلك حواراً جديداً مع روسيا كلقائه مع فلاديمير بوتين في هامبورغ في ألمانيا في السابع من يوليو/تموز، والذي أنتج أفكاراً لمناطق صغيرة لوقف إطلاق نار. وقد ساهم ملك الأردن عبد الله الثاني بتأسيس واحدة من تلك المناطق في جنوبي سوريا، وهناك بعض الأمل أن تؤدي دور النموذج لما هو قادم.

كما انفصل ترامب بحكمةٍ عن عملية مفاوضات جنيف عديمة الجدوى، والتي اعتقدت إدارة أوباما أنها قد تنشئ حكومة جديدة ذات وحدةٍ وطنية في سوريا، أما الحقيقة فهي أن حكومة بشار الأسد مدعومةً من روسيا و مع زخمٍ قتاليٍ ضخم في السنوات الأخيرة، لن ترحل إلى أي مكان في وقت قريب. إن نقل السلطة مؤقتاً على الأقل إلى مناطق مختلفة وأقاليم فرعية في سوريا لهو مفهوم واعدٌ أكثر من استبدالٍ كلي للحكومة المركزية في دمشق.

على أية حال هناك حاجةٌ لما هو أكثر بكثير؛ فليس هناك من استراتيجية معقولةٍ واحدةٍ و لها خطةٌ ذات خطوات تطبيقيةٍ لسوريا موحدة؛ فالحرب فوضويةٌ جداً ويصعب رسم ممرٍ كامل لإقراره في هذه المرحلة. لكن أمريكا تحتاج مزيداً من عناصر التأثير حيث نسعى لوضع الشروط لخلق ممرٍ لكبح جماح الحرب.

أحد المكونات المفتاحية في مثل هذا التفكير هو استخدام تأثيرنا الغربي والعربي المشترك بحكمة واستراتيجياً، لمساعدة مناطق الحكم الذاتي حال نشوئها. والهدف النهائي هو إقناع الأسد بتسليم مقاليد السلطة إلى نظامٍ يخلفه، سيكون من اختياره، لكن بحيث لا يبقى مصير الكثيرين بين يديه، وبحيث يستطيع شعبه وأغلب سكان البلاد الانخراط في نوع من مساعدات إعادة الإعمار، والتي لن تُوفر لهم إلا حال رحيله. ستتطلب إعادة إعمار سوريا ما يزيد على 100 مليار دولار في السنة، و ببساطة إنه قدر من المال لا يمتلكه حلفاء الأسد. و بذلك تأتي فرصتنا باستخدام الاقتصاد كمؤثر.   

هناك متطلبٌ ضروري للاستخدام الكامل لمثل هذه الاستراتيجية الاقتصادية هو بالتأكيد نجاحٌ أكبر في ساحة المعركة. في الوقت الحالي نقترح أن المناطق الوحيدة الجاهزة لهذا النوع من المساعدة الاقتصادية الإقليمية هي المنطقة الكردية الشمالية. لذلك يجب على الولايات المتحدة والحلفاء، من الناحية العسكرية، دعم تدريب ونقل الأسلحة لحلفاء على الأرض يتم اختيارهم بعناية؛ لمساعدة المعاقل الصديقة على الظهور وتعزيز قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم.

هذا الأمر ليس مشابهاً تماماً لإنشاء “مناطق آمنة”؛ لأننا لن نعلن عن مثل هذه المناطق رسمياً أو نتعهد بالدفاع عنها مهما كان الثمن. بذلك لن يكون هناك إعادة لسريبرينيتسا أو البوسنة أو غيرها من المآسي الأخرى المماثلة، عندما كانت التعهدات بالمناطق الآمنة تعطى و لكن لا يتم دعمها. ومع ذلك فإننا سنُعلِم الأسد بأن أي هجمات على مناطق معينة من البلاد سوف تقودنا إلى اتخاذ تدابير رد متناسبة، في الزمان المكان اللذين نختارهما، ضد قواته الجوية أو أصول أخرى.

وينبغي أن تبدأ هذه الاستراتيجية في شرقي البلاد، حيث تخلق هزيمة داعش فراغاً في السلطة، وقد بدأ الأسد وإيران فعلياً السعي إلى استغلالها. لكن ينبغي أن نحشد الموارد المالية الغربية والخليجية لإنشاء صندوق مشترك يمكن استخدامه لدعم العناصر العسكرية للاستراتيجية في الوقت ذاته. ومن المرجح أن يميل جميع المانحين الرئيسيين في العالم؛  دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ودول الخليج ومجموعة البنك الدولي، إلى دعم مثل هذا النهج نظراً لمصالحهم الاستراتيجية المتوافقة بشكل عام في سوريا.

ويتمثل الهدف الأول في التعجيل بتوفير المعونة الإنسانية مع بزوغ مناطقٍ مؤمّنة. ومع مرور الوقت سنسعى إلى تقديم المعونات للمساعدة في إعادة بناء هذه المناطق. وكما لوحظ، فإن الأسد وحكومته لن يحصلا على مساعدات لإعادة الإعمار إلا بعد التخلي عن السلطة، لكنهما قد يحصلان على مساعدات إنسانية سخية بمجرد توقف القتال. وهذا من شأنه أن يعطي الأسد بعض الحوافز لوقف القتال، ووضع خطة انتقالية بحيث يمكن للمناطق التي يسيطر عليها الآن من البلاد أن تشارك بالكامل في جهود إعادة الإعمار.

ويتعين على الجميع أن يتنازلوا إلى حدٍ ما في إطار هذا النهج؛ فعلى الأسد وروسيا وإيران القبول بأن الأسد لن يستطيع أن يحكم معظم المناطق السنية والكردية بشكلٍ مباشر بعد الآن. كما لن تتدفق المساعدات على نطاق واسع إلى أجزاء البلاد الخاضعة لسيطرة الحكومة إلى أن يرحل الأسد، إلا من الجيوب الشحيحة نسبياً للروس والإيرانيين.

وكما فعلت موسكو ينبغي على الولايات المتحدة والدول المتفقة في التفكير أن تقبل بأن الأسد سيكون له في الواقع يد في المساعدة في اختيار نظام يخلفه. ولن يكون الانتقال نتاج عملية تفاوض محايدة في جنيف، رغم ذلك يجب أن يكون دعمنا لمساعدات إعادة الإعمار مشروطاً باستعداد النظام الجديد للحد من دعم حزب الله. ويتعين على الحكومة الجديدة أن تشمل التمثيل السني والكردي، بطبيعة الحال، وعليها أن تلتزم بحماية المسيحيين وغيرهم من الأقليات. بيد أنه لن يكون حقاً كياناً ديمقراطياً بكل الأحوال.

بالطبع لا تزال هذه خطةً غير متكاملة لسوريا. فسنبقى بحاجة إلى إيجاد طريقةٍ لهزيمة العناصر المرتبطة بالقاعدة (هيئة تحرير الشام) حول إدلب، بالتعاون مع روسيا. كما سنحتاج إلى تأكيد أن العمل على استقرار مرحلة ما بعد داعش في شرقي سوريا لن يتحول إلى ربح مجانيٍ للجميع أو فوزٍ سريع لإيران. وسيكون هناك دور مهم لتركيا في هذه المحصلة.

ولكن الاستراتيجية الشاملة التي تجعل استراتيجيتنا أكثر واقعية وتقلل الخلاف المباشر مع المصالح الأساسية لروسيا، تحمل أيضاً وعداً أكبر بتحقيق هذه الأهداف الأخيرة. ومن خلال التغيير الرسمي لإزاحة الأسد إلى مسألة ذات أولوية من الدرجة الثانية، وإلى أمرٍ يمكن تحقيقه من خلال الإقناع الاقتصادي و بمرور الوقت بدلاً من العمل العسكري المباشر، فإن الاستخدام الاستراتيجي للقوة الاقتصادية يمكن أن يساعد في تحقيق معظم أو كل أهدافنا الرئيسية في سوريا اليوم.

الكاتب: John Allen ، Michael O’Hanlon

المصدر: ذا ناشيونال إنترست

الرابط: http://nationalinterest.org/feature/economics-could-be-the-key-ending-the-syrian-civil-war-21816

ضع تعليقاَ