أبريل 29, 2024

مايكل ايجناتييف وليون يسلتير : التنازل الأمريكي في سوريا يجب أن يتوقف الآن

لا بد من إعلان الإفلاس الأخلاقي للسياسة الأمريكية والغربية في سوريا. فهذا أمر لا مفر منه في ظل كل مايحدث، خاصة بعد أن صبت المقاتلات الروسية جام غضبها وقذائفها على حلب، أكبر مدن سوريا، متسببة بقتل وتشريد مئات الآلاف من سكانها، ومنذرة الباقين بالاستعداد لخوض جولة طويلة من الحصار والمجاعة اللاإنسانية.

والحقيقة أن إفلاس أمريكا الأخلاقي ليس وليدأً لهذه اللحظة، فقد جاء بعد خمس سنوات طويلة من التصريحات الفارغة بوجوب رحيل بشار الأسد، والسماح بتسليح غير كامل للجماعات المسلحة المقاتلة في سوريا، عدا عن التغاضي عن استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية في إبادة الشعب السوري، والفشل في تحمل مسؤولية توافد اللاجئين إلى أوروبا. وأدى كل هذا إلى مقتل أكثر من ربع مليون سوري وتشريد 7 ملايين آخرين، لجأ منهم 5 مليون إلى دول مجاورة وكان بينهم مليوني طفل.

هذا المسار المتخاذل الذي قامت به أمريكا تجاه سوريا، قاد إلى  هذه النتيجة الكارثية التي وصلت إليها سوريا اليوم. فقوات النظام السوري الآن تحاصر حلب بشكل مريع. وحكومة الولايات المتحدة، بغطاء محاربة داعش تقدم الدعم لروسيا والأسد وإيران بتدمير خصومهم في سوريا.

لقد حان الوقت لأولئك المهتمين بالبعد الأخلاقي في السياسة الأمريكية لكي يقفوا ضد هذه السياسة المشينة. فإذا سمحت الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو لحليفهم الروسي الجديد بالتسبب في عملية تجويع جديدة في سوريا فسيكون ذلك تواطئ في جريمة حرب مكتملة. وستعثر الولايات المتحدة لاحقاً على نزاتها جاثية فوق أطلال وأنقاض حلب المدمرة. فبلا شك، يعد القصف العشوائي انتهاكاً لاتفاقيات جنيف، هذا عدا عن استخدام الحصار والتجويع للضغط على المدنيين كذلك. لا نحتاج للانتظار أكثر لكي نثبت نوايا الأسد وبوتين في تضييق الخناق على سكان حلب. فالبراميل المتفجرة قد تسقط على صفوف الخبز والمستشفيات في المدينة السورية حلب وغيرها كذلك. عدا عن اعتماد نظام الأسد لسياسة التجويع طويل الأمد بحيث أصبحت هذه الوسيلة ماركة مسجلة من فظائع الأسد.

حلب تعيش حالة طوارئ، وتتطلب بلا شك اتخاذ تدابير طارئة. هل تعاني قدراتنا الإسعافية من الشلل الآن؟ هذه فرصة أخرى أيضًا وربما الأخيرة لإنقاذ سوريا. حلب هي سراييفو الجديدة وسربيرينيتشا الجديدة. وبالنسبة للصراع فإن حلب تتشابه تمامًا فيما تمثله مع ما كنات تمثله كل من سراييفو وسربينيتشا بالنسبة للصراع البوسني. وهي المدن التي قسمت ظهر البعير واضطرت الولايات المتحدة والدول الأوروبية للتدخل في البوسنة والوقوف بوجه الصرب هناك وإيقاف جرامئهم بحق البوسنيين، لتفرض لاحقًا القوى الدولية اتفاقية دايتون وتنهي حرب البوسنة.

تترد عبارات العجز عن القيام بشيء لصالح سوريا كثيرًا، لكنها عبارات خاطئة بلا شك. فهناك مسار يمكن أن يساعد في إنهاء الرعب الحاصل في حلب. وهو مسار واقعي تمامًا يساعدنا – كأمريكيين- على احترام مثلنا العليا. ويمكننا أيضًا من استعادة مكانتنا الأخلاقية والاستراتيجية أيضًا.

بإمكان الولايات المتحدة وبالعمل تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، استخدام قواعدها العسكرية البحرية  والجوية لفرض منطقة حظر طيران فوق حلب تمتد حتى الحدود التركية بما يمنع قصف أي مدني هناك من قبل أي طرف بما في ذلك الروس. ويمكن أن يستفاد من منطقة حظر الطيران هذه لفتح معبر آمن نحو تركيا،وهو ما يفتح المجال أمام أمريكا لاستخدام قواعدها العسكرية لإمداد المدينة والنازحين في المنطقة بالمساعدات الإنسانية.

وفي حال رفض النظام السوري وحليفه الروسي هذه الحماية الإنسانية فإن الطرفان سيواجهان عواقب عسكرية مقابل ذلك. وبالفعل، فإن قيادة الجيش الأمريكي تملك اتصالًا دائمًا مع قيادة الجيش الروسي لتحديد أماكن وأهداف الضربات الجوية الروسية في سوريا، وبالمثل يمكن أن يتم إنشاء غرفة عمليات مشتركة مع القيادة الروسية لضمان عدم تحول المهمة الإنسانية لمواجهة بين القوى العظمى. ولكن الخطر من مغبة القيام بهذه المهمة ليس عذرًا كافيًا للتنكر لها.

وفي حال أدرك النظام السوري وحليفه الروسي النتائج المترتبة على قيام الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي لهذا التدخل سيقتنعون بأنهم لن يكسبوا الحرب السورية وفق شروطهم المثيرة للإشمئزاز، ويبدو في الواقع أنهم لن يتعلموا إلا هكذا. فاستخدام القوة لحماية المدنيين وإنشاء قوة جديدة تتحكم بالطلعات الجوية وتمنع الاحتكار الروسي والأسدي لهذه الأجواء قد يسمح بتأسيس مرحلة جديدة من المفاوضات الجادة لوضع حد لهذه المجازر اليومية.

في الواقع، هذا ما يجب على القيادة الأمريكية أن تظهر في القرن الحادي والعشرين، الجميع بين القوة والدبلوماسي. والحفاظ على الالتزام الأخلاقي والمصالح الاستراتيجية من شأنه أن يحول التدخل إلى هدف إنساني عاجل يحظى بتأييد واسع من  العالم أجمع. عصر التنازل الأمريكي للأسد يجب أن ينتهي الآن، وإذا لم نهب لنجدة حلب ولم نفعل كل ما بوسعنا لوضع حد لهذه المعاناة الأكثر رجسًا وضررًا في عصرنا فستكون حلب وصمة العار في ضميرنا للأبد.

ضع تعليقاَ