أبريل 30, 2024

عن مذكرة التفاهم التي وقعها “مجلس سوريا الديمقراطية” مع “حزب الإرادة الشعبية”

كيف يحاول حزب PYD/PKK التسلل إلى العملية السياسية في سوريا

اضغط هنا للحصول على هذه الورقة بصيغة ملف PDF

باسل حفار

ملخص

هناك ثلاثة عوامل تجعل من مذكرة التفاهم التي وقعها مجلس سوريا الديمقراطية(مسد) بقيادة إلهام أحمد مع حزب الإرادة الحرة بقيادة قدري جميل في آب/أغسطس 2020، نقطة فارقة:

الأول يتعلق بالتقاطع الكبير في النص واللغة مع مشروع دستور سوريا الذي أعده الروس ونُشر في 2017.

والثاني يتعلق بأن المذكرة تتناول قضيتين مهمتين يتشبث بهما “مسد” وكانتا عنوان مفاوضاته مع النظام وعنوان خلافه مع باقي فصائل المعارضة، إذ يرفض “مسد” تقديم أي تنازل فيما يخصهما وهما (الإدارة الذاتية و خصوصية وضع قوات سورية الديمقراطية الذراع العسكري لتنظيم “بي كا كا/ي ب ك”)

أما الثالث فيتعلق بالسياق والتوقيت الذي تأتي فيه هذه الاتفاقية بعد اصطدام أمريكي-روسي مباشر في سوريا، وبعد لقاء تشاوري مع الأكراد عُقد في حميميم، وبعد حوار كردي – كردي رعته الولايات المتحدة وتصدر “مسد” فيه المشهد الكردي، وبعد انتخابات مجلس الشعب ومقاطعة قدري جميل وجماعته و”مسد” والجهات المرتبطة به للانتخابات.

كل هذا يقود إلى: 

  • يبدو هذا الاتفاق في ظاهره وكأن “مسد” قدم تنازلاً أو أظهر مرونة في قضيتين مبدئيتين بالنسبة له، ولكنه في حقيقته التفاف على الموقف الصلب من قضية “الإدارة الذاتية” وخصوصية “قسد”، وخرق للعزلة أو المقاطعة السياسية التي تواجهها “مسد” من قبل باقي أطراف المعارضة.
  • هذا التفاهم ليس مجرد اتفاق بين قدري جميل وإلهام أحمد ولكنه توافق روسي – أمريكي لافساح المجال ل”مسد” ليصبح لديه ممثلين في اللجنة الدستورية وهيئة التفاوض وغيرها من الهيئات والتشكيلات.

وهذا يستدعي الأخذ بعين الاعتبار نقطتين مهمتين:

  • انضمام “مسد” إلى هيئات المعارضة والعملية السياسية رغم اختلافه على قضايا مبدئية مع باقي أطراف المعارضة وشرائح واسعة من السوريين، سيمثل مسماراً إضافياً في نعش هذه الهيئات وانتمائها للثورة السورية لتتحول إلى تحالف منصات أقرب للنظام منها للحراك في سوريا.
  • أنّ الروس وفي مقابل موافقتهم على هذا الاتفاق ورعايته فلا شك وأنهم ينوون توظيفه -وما سيترتب عليه- بما يخدم خطتهم المتضمنة بقاء بشار الأسد ونظامه في السلطة.

مقدمة

في 31 آب/أغسطس 2020، وقع مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) وحزب الإرادة الشعبية، الذي يترأسه قدري جميل، وهو أيضًا رئيس منصة موسكو المنضوية ضمن هيئة “التفاوض العليا السورية”، مذكرة تفاهم في العاصمة موسكو.

وتضمن الاتفاق بنوداً عدّة حول شكل الحكم والحل السياسي في سوريا منها:

  • سوريا الجديدة هي سوريا موحدة أرضًا وشعبًا، وهي دولة ديمقراطية تحقق المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، وتفتخر بكل مكوناتها
  • دستور سوريا ديمقراطي يحقق صيغة متطورة لعلاقة بين اللامركزية، التي تضمن ممارسة الشعب لسلطته المباشرة في المناطق وتحقق الاكتفاء الذاتي والتوزيع العادل للثروات والتنمية في عموم البلاد، وبين المركزية في الشؤون السياسية، الخارجية والدفاع والاقتصاد
  • الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، ضرورة موضوعية وحاجة مجتمعية متعلقة بظروف البلد، وحاجات المنطقة التي أنتجتها الأزمة
  • الاستفادة من تجربة الإدارة الذاتية إيجابًا وسلبًا كشكل من أشكال سلطة الشعب في المناطق، وينبغي تطبيقه على المستوى الوطني العام
  • الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية العامة، التي ينحصر بها حمل السلاح ولا تتدخل بالسياسة، وينبغي أن تكون قوات سوريا الديمقراطية، التي أسهمت في الحرب على الإرهاب، منخرطة ضمن المؤسسة على أساس صيغ وآليات يتم التوافق عليها
  • دعم تنفيذ القرار الدولي 2254 كاملًا، بما في ذلك بيان جنيف وضم منصات المعارضة إلى العملية السياسية بما فيها مجلس سوريا الديمقراطية

لم يستحوذ إعلان التوقيع على مذكرة التفاهم على الكثير من الاهتمام ربما لأن حزب الإرادة الشعبية ورغم علاقته الوثيقة بالروس، إلا أنه لا يتمتع بوزن معتبر على الأرض كما لا يوجد ما يوحي بأنه يمتلك الشرعية اللازمة للمضي بهكذا اتفاقات تتحدث عن شكل الحل ومفهومه في مستقبل سوريا وعن وحدة الأراضي السورية ودستورها، وغيرها من القضايا الكبيرة التي كلفت السوريين -حتى الآن- ملايين الضحايا.

قضيتان مهمتان يدور حولهما الاتفاق

مذكرة التفاهم -التي لا يمكن إغفال التقاطع الكبير في اللغة والمصطلحات بينها وبين مشروع “دستور سورية” الذي أعدته روسيا ونشر في 2017-، من اللافت فيها أنها تدور حول قضيتين أصرّ مجلس سوريا الديمقراطية على عدم التنازل عنهما في كل مفاوضاته ولقاءاته السابقة مع النظام: 

الأولى: تتعلق بمشروع ”الإدارة الذاتية“ الذي عمل عليه ”مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)” خلال الفترة الماضية وقدمه على أنه التطبيق العملي لمفهوم الإدارة اللامركزية، ولكن الفقرة الأولى في التفاهم الموقع تبدو وكأنها تنازل كامل عن “الإدارة الذاتية” سياسياً وإدارياً لاستبدالها بمفهوم اللامركزية الإدارية الموسعة التي تميز جيداً بين اختصاصات المركز السيادية وصلاحيات الأطراف المحلية.

الثانية: تتعلق بخصوصية “قوات سوريا الديمقراطية” وهذا مطلب رئيس فاوضت عليه “مسد” النظام، وقد تضمن التفاهم فقرة نصت على أن: الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية العامة، التي ينحصر بها حمل السلاح ولا تتدخل بالسياسة.

الطريقة التي جرى فيها تناول هاتين القضيتين تعطي انطباعاً بأن “مسد” قدم تنازلاً بخصوصهما، وأثار سؤال لماذا تنازل “مسد” في موسكو، ولم يتنازل في دمشق ؟!

ولكن الحقيقة أن الاتفاق يمثل في جوهره التفافاً حول الموقف الصلب الذي تبديه العديد من الأطراف من هاتين القضيتين وليس تنازلاً عنهما.

فالحديث عن وحدة الأراضي السورية واللامركزية يتبعه حديث عن نموذج الإدارة الذاتية كتجربة يجب الاستفادة منها وتعميمها، ولكن دون التطرق لمستقبل هذه (التجربة) وكيفية تعميمها، بينما الحديث عن الجيش الوطني السوري يتبعه تأكيد على دور قوات سوريا الديمقراطية في هذا الجيش وفق آليات يتفق عليها.

وما بدا وكأنه مرونة أظهرها مجلس سوريا الديمقراطية اتجاه هذه القضايا ليس في حقيقته إلا نوع من التلاعب في الصياغات للإيحاء بتجاوز النقاط الخلافية المهمة، وإعطاء انطباع بالتوافق الذي يبرر الاتفاق ويثقل وزن منصة موسكو في تشكيلات المعارضة ويقوي موقفها أمام مختلف الأطراف وفي مقدمتها النظام، في مقابل:

  • توظيف هذه المنصة لاختراق حالة المقاطعة السياسية التي يعاني منها حزب الـ PYD والمنظمات المرتبطة به.
  • وفتح المجال لمجلس سوريا الديمقراطية للتواجد والعمل في مساحة إضافية تضمن له حصته من المشهد السياسي في سوريا أمام أو إلى جانب القوى والأطراف الأخرى.

سياقات مهمة للاتفاق

وما يعطي الاتفاق أهمية إضافية أن الإعلان عنه جاء بعد أيام قليلة من الصدام الذي وقع بين دورية أميركية وأخرى روسية، في منطقة المالكية، وأدى إلى جرح جنديين أميركيين، 

وبعد أسبوعين فقط من اللقاء التشاوري الذي عقده الروس في قاعدة حميميم، وشاركت فيه شخصيات كردية، لمناقشة منح الأكراد السوريين حقوقاً ثقافية واجتماعية وسياسية وفتح المجال أمامهم للمشاركة في الحكومة السورية بدمشق، مقابل دعمهم للمشروع الروسي والتحالف معه.

وبعد حوار كردي-كردي رعته الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية أعطى شرعية لـ “مسد” لتوقيع هكذا اتفاق وتصدر المشهد الكردي السوري -بتمثيله السياسي على الأقل-.

علماً أن “مجلس سوريا الديمقراطية” الذي وقع الاتفاق في موسكو مع منصة موسكو، كان قد أرسل منذ فترة مندوباً عنه إلى القاهرة، في محاولة للعودة إلى صفوف منصتها والتواجد في أوساط هيئات المعارضة من خلالها.

خلاصة

وهذا يعني أن التفاهم الذي وقعه قدري جميل وإلهام أحمد ليس مجرد تفاهم بين الطرفين الموقعين، وإنما هو حصيلة توافق روسي-أميركي لضم مجلس سوريا الديمقراطية إلى اللجنة الدستورية وهيئة التفاوض وغيرها من المحافل والهيئات التي تشكل منصة موسكو جزءاً منها للمشاركة في العملية السياسية وفي بناء المشهد السياسي الجديد في سوريا عبر بوابة موسكو.

لذلك لا يتوقع أن يطول الوقت قبل أن يجري اقتراح ممثلين عن “مجلس سوريا الديمقراطية” في صفوف المعارضة -عبر منصة موسكو أو بشكل منفصل- والأمر نفسه بالنسبة لممثلي المجتمع المدني، وبذلك يكتمل تحول ممثلي الثورة السورية -أو من بقي منهم- إلى أقليّة بسيطة، بين أكثرية تعتبر في مواقفها وطرحها أقرب إلى النظام منها إلى السوريين الذين لولا نضالهم وتضحياتهم لما فتح المجال أمام إعادة تشكيل المشهد السياسي في سوريا أصلاً.

وهذا ما يفسر -ربما- صمت النظام عن التفاهم وعدم التشنيع عليه، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الروس وفي مقابل موافقتهم ورعايتهم لهذا الاتفاق فلاشك أنهم ينوون توظيفه وما سيترتب عليه، للمضي قدماً في استراتيجيتهم التي تتضمن بقاء بشار الأسد في السلطة والاكتفاء بإدخال تعديلات على النظام بما يسمح بإعادة تمكينه واستمراره في حكم سوريا.

اضغط هنا للحصول على هذه الورقة بصيغة ملف PDF

ضع تعليقاَ