مايو 2, 2024

استراتيجية قطع الأمل

Basil

لا يمكن العودة بسوريا إلى ما كانت عليه قبل 2011

باسل حفار

قبل يومين أعلن النظام عن تشكيلة الحكومة الجديدة، والتي تعتبر الحكومة الثامنة التي يشكلها النظام منذ بدء الأحداث في 2011.

الحكومة الجديدة لا تختلف عن سابقتها إلا ببعض التغييرات الشكلية بينما حافظت على العديد من الأسماء التي اعتيد وجودها في تركيبة الحكومة أو الجهاز التنفيذي بشكل عام، مثل وزير الأوقاف والداخلية وغيرهم بمن فيهم رئيس وزراء النظام الذي جدد له للمرة الثانية وسبق وأن كان وزيراً في حكومات سابقة.

التغييرات الطفيفة في تشكيلة الحكومة يعتبرها السوريون في مناطق النظام مؤشراً إضافياً على استمرار الوضع على ما هو عليه، مع أن فئة غير قليلة من أتباع النظام ومؤيديه كانت تأمل أن يكون موسم الانتخابات البرلمانية والرئاسية فاتحة انفراجة على الصعيد الاقتصادي أو الإداري على الأقل.

المؤشرات الأخرى التي أعطت نفس الانطباع باستمرار حالة البؤس، كان من أبرزها خطاب القسم الذي أدلى به بشار الأسد وظل يردد أنه لا توجد حلول سريعة ولا عصى سحرية إلى آخره من الرسائل التي ركزت على قطع الأمل بأي انفراجة قريبة، وعزز هذا الطرح، المقابلة التي أجرتها لونا الشبل (المستشارة الإعلامية المقربة من بشار الأسد) تعقيباً على خطاب القسم وركزت فيها على الصمود (السلبي والإيجابي) وكررت مضامين خطاب بشار الأسد ورسالته الأساسية.

خلال فترة الانتخابات أيضا خرجت العديد من الشخصيات المقربة من النظام ورئيسه ووجهت رسائل للسوريين في كل مكان خصوصاً ممن هم خارج سيطرة النظام وخارج سوريا ودعتهم للعودة إلى سوريا والتصالح مع النظام، دون أن تشرح لماذا يجب على شخص يعيش خارج سيطرة النظام أن يعود للعيش في حالة البؤس التي تعيشها مناطق سيطرة النظام، وكان لافتاً في خطاب هؤلاء جميعاً وفي مقدمتهم مفتي النظام “أحمد حسون” أنهم عندما يتحدثون عن إدلب ومنطقة الشمال السوري المحرر عموماً يستخدمون مصطلحات ولهجة قريبة من تلك التي اعتاد السوريون أن سماعها لدى الحديث عن الجولان أو لواء الإسكندرون، مثل وصف منطقة الشمال بالأرض المقتطعة أو المحتلة التي ستعود إلى حضن الوطن.. ولكن بعد حين، بالتعويل على الأجيال القادمة التي تنشأ اليوم على حب الوطن وزعيم الوطن وعندما تكبر فلن تتوانى في مهمة تحرير الأرض.

ويمكن ملاحظة الأمور نفسها بالعودة إلى الوراء قليلاً ومراجعة خطاب رموز النظام خلال فترة انتخابات مجلس الشعب.الخلاصة أن تتبع مضامين خطاب النظام ورموزه وزبانيته منذ بدء موسم الانتخابات -وما قبله أيضاً- يركز صراحة على قطع الأمل بتغيير قريب -مع أن شعار الحملة الانتخابية لبشار كان: الأمل بالعمل-، وهذا يولد شعوراً عميقاً بالإحباط لدى السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام خصوصاً المؤيدين منهم، وهو ما يحاول النظام معالجته بالتركيز على أي مظهر من مظاهر التقدم في أي قطاع أو ملف، وتشجيع مؤيديه على كسر الطوق على النظام عبر المشاركة الرياضية أو السياسية أو الفنية أو أي نوع من التواصل مع العالم الخارجي بما يعطي انطباعاً بأن شيئاً ما قد يتغير وأن العالم مستعد للقبول بهذا النظام من جديد.

المهم هنا أن النظام وبينما يحاول خفض أو سحق طموحات مؤيديه عبر الإقرار بصعوبة الوضع وفقدان الحلول بينما يجري تجيير ما بقي من خيرات البلد ومقدراتها إلى جيوب العصبة الحاكمة ومنتفعيها على طريقة (إحنا فقرا أوي)، فهو وسط هذا ومن حيث لا يدري يردد بشكل أو بآخر حقيقة مهمة، ألقاها العالم كله على مسامعه منذ اليوم الأول للثورة وحذره منها ولكن النظام اختار التعامي عنها حتى أوصل سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم، هذه الحقيقة مفادها:

لا يمكن العودة بسوريا إلى ما كانت عليه قبل 2011

يجب أن يقر الجميع بهذه الحقيقة وأن يكونوا مستعدين للتعامل معها، كل المحاولات للعودة بسوريا والسوريين إلى ما قبل 2011 فشلت رغم أنها تضمنت قتل مئات ألوف السوريين وتشريد الملايين منهم.

والآن وبعد كل هذا المخاض وبدلاً من العمل على معالجة هذا الواقع بطريقة صحيحة، فإن النظام مستمر في استكمال جريمته في البناء المشوه على هذا الواقع السيئ، وما خطوة الانتخابات والإصرار على المضي بها وما تلاها من خطابات وتعيينات وقرارات وتحركات، إلا عملية ترسيخ لحالة الانقسام وتعميق للشرخ في المجتمع السوري، خصوصاً أنها جاءت مصحوبة بالإفصاح صراحة عن عدم الرغبة بالمضي بأي حل سياسي أو إصلاح دستوري أو اعتراف بالآخر أو مشاركة في السلطة أو تعديل في سلوك الحكم.

ضع تعليقاَ