مايو 2, 2024

ستراتفور: روسيا لم تعد تملك الترف الكافي لاستمالة حلفاء جدد

توقعات

– بالتوازي مع كبح روسيا لنفقاتها، فمن المحتمل أن يحد الكرملين من القروض إلى البلدان الأجنبية وهو ما قد يعوق القدرة الروسية في التأثير على الدول لدعم لبرامج عملها.

– بالنسبة للحلفاء الرئيسيين ستواصل موسكو منح قروض صغيرة أو قروض كبيرة على شكل دفعات صغيرة.

– ستكون موسكو انتقائية أكثر من ذي قبل في اختيار المستفيدين من منحها وقروضها الكبيرة بحيث تستهدف المستفيدين وفق حاجتها الاستراتيجية.

تسبب تراجع الموارد المالية الروسية في الإضرار بقدرة الكرملين على العمل كما فعل خلال العقد الماضي. استغل الكرملين سابقًا ارتفاع أسعار النفط وعائداتها الكبيرة لتحقيق نمو اقتصادي مشهود في عهد بوتين منذ العام 2000 وباستثناء الأزمة المالية العالمية عامي 2008- 2009.

ساعد هذا الإزدهار الاقتصادي موسكو للانفاق بشكل كبير على جيشها، وتنميتها الاقتصادية عدا عن منحها قروضًا مالية كبيرة لبعض البلدان مقابل زيادة نفوذها فيها.

لكن تراجع أسعار النفط الحالي وما تبعه من تباطؤ في الصناعة المحلية، عدا عن العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي تسببت في توتير معنويات المستثمرين وخلق أزمة اقتصادية في روسيا. وهو ما وضع الكرملين في موقف صعب من أجل اتخاذ قرارات مؤلمة للحفاظ على الاقتصاد الروسي وهو ما يجعل كل شيء قابلًا للتخفيض بما في ذلك القروض الخارجية.

كان العام الماضي هو الأول منذ ستة سنوات التي تعاني فيها روسيا من الركود الاقتصادي،ولا يوجد تفاؤل كبير حتى اللحظة بقرب انتهاء هذا الركود. وبالتأكيد ستعاني روسيا من نقص في الميزانية الفيدرالية هذا العام، وهو ما دفع الحكومة لاستخدام صندوق الاحتياط الوطني لتغطية أي عجز أكثر من 3.5%.

ولتجنب انهيار الشركات الروسية، اتجه الكرملين الى اعتماد بعض الاجراءات الخاصة بالخصخصة، والتي من غير المتوقع أن تشهد نجاحًا باهرًا في ظل معنويات المستثمرين المنخفضة تجاه روسيا خاصة بعد موقفها في اوكرانيا.

في الوقت نفسه عملت الحكومة الروسية على تخفيض انفاقها في عام 2016، بحيث اقتطعت الكثير من نفقات مختلف الوزارات باستثناء المعاشيات، وهو ما اضطر جميع القطاعات لتكون انتقائية في كيفية إنفاق مواردها. فعلى سبيل المثال، دفع الاقتطاع الحاصل في ميزانية وزارة الدفاع الروسية إلى حصر النفقات في تعزيز العمليات العسكرية في أوكرانيا وروسيا دون أي اسهام في برنامج إعادة التسلح العسكري واسع النطاق التي تحتاجه روسيا للحفاظ على جيشها قويًا وحديثًأ. هذا عدا عن تلميح الكرملين إلى تخفيضات كبيرة قادمة للميزانية خلال الأسابيع القادمة.

بكل تأكيد تملك روسيا أموالًا احتياطية ضخمة. ففي البنك المركزي الروسي حاليًا يوجد قرابة 37.5 مليار دولار كاحتياطي. هذا بالإضافة إلى قرابة 49.72 مليار دولار في الصندوق الاحتياطي من العملات الأجنبية وكذلك قرابة 71.15 مليار دولار في صندوق الثروة. لكن الكرملين استخدم قرابة نصف ما في الصندوق الاحتياطي خلال العام الماضي ويبدو أن فترة الركود هذه قد تشهد انفاقًا سريعًا لاحتياطات العملة الأجنبية في روسيا.

والآن، يبحث الكرملين بجدية ممارسة خطوات أخرى لتخفيف النفقات وشد الأحزمة عبر اللجوء إلى تقليص القروض الأجنبية. فعلى مدى العقد الماضي، استخدمت القروض الخارجية من خزائن الحكومة للضغط على جدول أعمال حكومات الدول المستفيدة.

قدمت هذه القروض مباشرة عبر بنك ( VTB) الحكومي، عدا عن العديد من القروض المقدمة من شركات روسية ك( شركة روسوبورون اكسبورت وشركة غازبروم وروسنفت).

هذه القروض كانت في اغلب الأحيان بعيدة عن الاستثمارات وتركز أكثر على تشكيل حوافز لحث الدول المستفيدة على اتخاذ قرارات سياسية خارجية بما يتماشى مع الاحتياج الروسي.لاحقًا عمل الكرملين على شطب هذه القروض لتصبح بذلك أقرب إلى الهبات.

التمويل سابقًا

من الأمثلة الرئيسية على هذه التبادلات المالية مقابل النفوذ هو ما حدث في أوكرانيا. ففي ديسمبر 2013، عرضت روسيا شراء 15 مليار دولار من الديون الأوكرانية ومنح البلاد خصمًا يصل إلى 33% من أسعار الغاز الطبيعي. هذا العرض دفع كييف لتجمدي مفاوضاتها مع الاتحاد الاوروبي بشأن انضمامها له. لتقدم روسيا بعد ذلك على شراء 3 مليار من الديون الأوكرانية، لكن الاحتجاجات الكبيرة التي اندلعت في أوكرانيا أدت إلى انهيار الحكومة الموالية لروسيا.

الآن، تخوض موسكو معركة قضائية كبيرة مع كييف وحكومتها الموالية للغرب لسداد 3 مليار دولار، وهو ما كان سيتم تجاهله لو كانت الحكومة السابقة الموالية لموسكو على سدة الحكم في أوكرانيا الآن. وتحتج كييف بأن عملية شراء الديون السابقة كانت رشوة صريحة للحكومة السابقة لتبقى تحت ظل موسكو.

بالإضافة إلى ذلك، تقوم موسكو بإقراض حلفائها في المنطقة السوفيتية السابقة بشكل منتظم بقروض مؤجلة السداد. ففي عام 2014، منحت روسيا حكومة روسيا البيضاء قرض يصل إلى ملياري دولار بهدف الحفاظ على ولاء مينسك خاصة بعد زيادة الناتو من وتيرة عملياته في المنطقة.

وفي عام 2015، ساعدت موسكو مينسك على سداد ديونها البالغة 860 مليون دولار وهو ما ساهم في إنقاذ اقتصاد روسيا البيضاء من الركود. هذا بالإضافة إلى تلقي دول كأرمينيا وقيرغيزستان وكازاخستان حزم مساعدات مالية صغير ( مئات الملايين من الدولارات) لتحفيز اقتصادات بلدانها وتحديث جيوشها وتحفيز الصناعة. على سبيل المثال تلقت قيرغيزستان قرضًا تصل قيمته إلى مليار دولار في مايو 2014 مقابل انضمامها للاتحاد الجمركي الروسي.

وعلى مستوى آخر، خارج دول الاتحاد السوفيتي السابق، عرضت روسيا عددًا من القروض خلال الأعوام 2013 – 2014 على شركات الطاقة والبناء في صربيا وبلغاريا واليونان مقابل سماح حكومات هذه الدول بمرور مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي الروسي الذي اقترحته روسيا أنذاك ( ساوث ستريم وترك ستريم) والذي كان يهدف إلى تجاوز الاراضي الأوكرانية في نقل الغاز الطبيعي الروسي.

وعندما بحثت كل من قبرص واليونان على كفالات مالية في السنوات الأخيرة، عرضت موسكو توفير هذه الأموال. فروسيا أرادت حماية الأموال الروسية المحفوظة في البنوك القبرصية وسعت كذلك إلى اقناع اليونان لكسر توافقها مع الأوروبيين وأمريكا بشأن فرض العقوبات على أوكرانيا. لكن ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى تمكنت من إقناع اليونان وقبرص بخلاف ذلك،بعد أن قامت باعادة هيكلة القروض القبرصية القديمة وأعطت اليونان ضمانات مالية بسيطة عبر بنك بريكس.

0

المشاكل الحالية

حاليًا تقوم روسيا بتقييد متزايد لكبح الاستراتيجية السابقة في تبذير المال على الدول المختلفة لإجبارهم على التعاون معها. فمنذ منتصف 2015، عملت روسيا على تخفيف تبرعاتها حيث عملت روسيا على تقليل القروض الصغيرة عدا عن عدم التعهد بأي قروض كبيرة لأي من الدول.

وحديثًا، أعلن الرئيس القرغيزي ألمبيازيك أتامباييف عن احتمال عدم تقديم روسيا للقرض الذي تبلغ قيمته 1.7 مليار دولار لإكمال بناء محطة توليد الطاقة الكهرومائية في ( كامباراتا). لاحقًا قام الرئيس القرغيزي بالغاء الاتفاق الموقع مع روسيا عام 2012 وذلك لعجز روسيا عن الوفاء بالتزاماتها بعد أن سددت فقط 300 مليون دولار من قيمة القرض.

أوزباكستان من جهتها عارضت المشروع السابق وذلك لأنه سيقلل من إمدادات المياه في البلاد. تعتمد قيرغيزستان ماليًا على روسيا وموسكو ستقبل إنهيار هذا الاتفاق. روسيا ستكون حريصة على مراقبة التحرك الصيني في المنطقة، حيث ستعمل الصين على بناء نفوذ آخر في المنطقة لسد الفراغ الناتج عن التراجع الروسي فيها.

الكرملين يعيد النظر في القروض المخصصة لإيران. ففي نوفمبر الماضي، وافقت موسكو على إقراض طهران 5 مليارات دولار بالإضافة إلى سندات إئتمانية تصل قيمتها إلى 2.2 مليار دولار. وعلى الرغم من التأكيد الإيراني على اتمام هذه الاتفاقية إلا أن نائب وزير المالية الروسي ” سيرخي ستورتشاك” أكد في يناير الماضي أن القرض لم يستكمل بعد. اعتبر الاتفاق على أنه محاولة روسية للحفاظ على نفوذها مع إيران خاصة مع بدء إيران في الانفتاح على الغرب. فسابقًا لم تملك إيران العديد من الخيارات الغربية للتمويل لكنها تستطيع الآن التعامل مع شركاء أوروبيين وأمريكان جدد وهو ما سيضر بالنفوذ المالي الروسي بإيران ويؤدي إلى تقليل المساهمة الروسية داخل إيران.

إضافة إلى ذلك، وافقت روسيا في نوفمبر 2015 على إقراض مصر ما يصل إلى 25 مليار دولار لبناء محطة للطاقة النووية في منطقة الضبعة جنوب مصر. من المفترض أن يغطي هذا القرض حوالي 85% من تكاليف عمليات البناء. لكن روسيا وضعت شروطًا مالية كثيرة على مصر لبدء سداد القرض في عام 2029 وسداد المتبقي منه على مدى 22 عام وذلك لكون القاهرة تعاني من ضائقة مالية كبيرة هذه الفترة.

واعتبرت هذه الخطوة من مصر على أنها محاولة لتنويع مصادرها في التعامل والدعم بعيدًا عن الولايات المتحدة خاصة وأن روسيا تعمل حاليًا على زيادة تأثيرها في  منطقة الشرق الأوسط بعد دخولها الصراع السوري.وعلى الرغم من عظم الثمن الذي تقدمه موسكو في هذه الصفقة إلا أن نجاحها في استقطاب الحليف المصري إلى صفوفها سيعد نجاحًا فارقًا في مسار التحولات الاقليمية في المنطقة على حساب واشنطن.

ويبدو أن روسيا ستفي بوعدها بإقراض المجر بمبلغ كبير. فقد زار رئيس الوزراء المجري فيكتور اوربان موسكو في 17 فبراير الجاري، حيث أكد بوتين على وفائه بإقراض المجر قرابة 10.8 مليار دولار لتوسيع المحطة النووية في باكس. وعلى الرغم من أن الاتفاق سبق وأن وقع قبل عامين إلا أن موسكو تحاول الضغط لاستخدامه لإقناع المجر بمساعدة روسيا في بناء تحالفاتها لإنهاء العقوبات التي تواجهها.

وصرح رئيس الوزراء المجري في مؤتمر صحفي مشترك مع بوتين باعتقاده بأن عقوبات الاتحاد الاوروبي المفروضة على روسيا لن تجدد في يوليو المقبل. حيث ترى دول الاتحاد الاوروبي حاجة ماسة للتعاون مع روسيا. ومن المرجح أن تقدم روسيا مبلغًا كبيرًا للمجر في حال صوتت ضد تجديد العقوبات على روسيا.

ويبقى الخيار الوحيد لمساعدة روسيا في تخفيف التكاليف المادية لهذه القروض الكبيرة يمكن أن يكون عبر منحهم عبر منح أصغر حجمًا وأطول أجلًا في السداد بعيدًا عن المبالغة في المبالغ المقدمة. كما هو الحال مع التأمين المقدم لإيران بـ 2.2 مليار دولار على أكثر من عامين للسداد. في حين ما زالت روسيا تحافظ على حلفائها الرئيسيين كأرمينيا بقرض يصل إلى 200 مليون دولار صرف في 19 فبراير الجاري. ومع ذلك، فمن غير الواضع إن كان الكرملين يتجه إلى شطب  بعض هذه القروض كما السابق كبادرة حسن نية، ولكن على الكرملين إعادة هيكلة الديون التي صدرت في السابق بدل من شطبها بالكامل.

وإذا أهملت روسيا هذه الدول المتحالفة فإنها بهذا تخاطر بإنهيار قد يضر بعلاقاتها في بلاد مختلفة تمكنت من ايجاد محل للنفوذ بها. وهو ما سيضيع جهودًا كبيرة أنفقها الكرملين في انتقاء واختيار البلدان التي حصلت على المساعدات الروسية ولكن دون تدمير الموادر الروسية بكل تأكيد.

ضع تعليقاَ