أبريل 27, 2024

نهج روسي جديد لتحييد ملف “الكيمياوي السوري” في مجلس الأمن

ملف السلاح الكيماوي في سوريا سيكون محط مزيد من التجاذبات على المستوى الدولي في الفترة المقبلة.

هذا التقرير منشور على موقع الجزيرة نت

اعتبر نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة “دميتري بوليانسكي” خلال جلسة في مجلس الأمن في 5 آذار/مارس 2024، أن مناقشة الملف الكيميائي السوري كل ثلاثة أشهر “كاف جداً”، وأشار بوليانسكي إلى عدم تحقيق أي تقدم منذ فترة، لافتاً إلى أن المجلس يناقش “تقريراً جديداً هو مجرد نسخ ولصق من تقرير سابق”.

أما مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة “قصي الضحاك”، فصرح أن الإصرار على مناقشة البرنامج الكيميائي السوري يشير إلى إمعان الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في “نهجها القائم على توظيف هذا الملف كأداة سياسية للضغط على الحكومة السورية”، مؤكداً على إيفاء النظام بالتزاماته بتدمير مخزونه الكيماوي بالكامل، داعياً لإغلاق جميع القضايا العالقة وملف الكيماوي السوري بشكل كامل.

في الحقيقة هذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها روسيا مثل هذا الطرح، فقد بدأت روسيا بالتركيز على هذا النهج -تضعيف ملف الكيماوي السوري في مجلس الأمن- منذ بدايات عام 2023، عندما انتقدت مناقشة ملف الكيماوي السوري بشكل شهري في مجلس الأمن ثم عمدت خلال فترة رئاستها الدورية لجلسات مجلس الأمن في أبريل 2023، إلى إسقاط الجلسة الخاصة بمناقشة الكيماوي السوري من جدول أعمال المجلس،

الإصرار على النفي

منذ عام 2012 عندما بدأ توارد الأخبار والتقارير عن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، والنظام يحاول أن ينفي عن نفسه تهمة الضلوع باستخدام هذه الأسلحة، عبر إنكار وقوع الهجمات الكيماوية من الأساس، أو عبر توجيه أصابع الاتهام إلى أطراف أخرى ناشطة في الساحة السورية، واتهامها بتنفيذ هذه الهجمات، أو عبر التشكيك في مهنية أو حيادية الجهات المسؤولة عن التحقيق والأدلة أو الآليات التي تستند إليها في تقاريرها، والتصريح باستمرار بأن سوريا دمرت جميع مخزوناتها من الأسلحة الكيماوية ومرافق الإنتاج.

بالإضافة إلى ما سبق، فقد اعتادت روسيا استخدام صلاحياتها ونفوذها في مجلس الأمن لعرقلة تشكيل لجان وبعثات التحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، أو لتحديد صلاحية هذه اللجان بحيث يقتصر عملها على دعاوى معينة أو الاكتفاء بإثبات الواقعة، دون تحديد المسؤولية أو استخدام الفيتو ضد لمنع تجديد ولاية هذه البعثات و استمرارها في عملها.

ويمكن القول أن جهود النظام وحلفائه في تعطيل ملف الكيماوي السوري قد نجحت في عرقلة العديد من الخطوات وأخرت وما زالت تؤخر إلى حد كبير اتخاذ خطوات فعالة في جانب محاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذا النوع من الجرائم في سوريا.

تشكيل “فريق التحقيق وتحديد الهوية” بعيداً عن سطوة الفيتو الروسي

غير أن عام 2018 شهد تطوراً هاماً في مسار ملف الكيماوي السوري، حيث حفز حادث استخدام الأسلحة الكيماوية في دوما/ريف دمشق في 7 أبريل 2018 المجتمع الدولي على بذل جهود أكثر جدية لمحاسبة مرتكبي هذه الهجمات في سوريا، وهو ما أسفر في النهاية عن قرار “معالجة التهديد الناجم عن استخدام الأسلحة الكيميائية”، في يونيو 2018، الذي أقره مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، بأغلبية الثلثين، وبموجبه أنشأت الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية فريق التحقيق وتحديد الهوية (IIT)، الذي باشر تحقيقاته في يونيو 2019، بهدف تحديد الأفراد أو الكيانات الضالعين بشكل مباشر أو غير مباشر في استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، أي أن صلاحيات هذا الفريق لا تقتصر على إثبات حدوث واقعة استخدام السلاح الكيماوي بل تتعداها إلى تحديد الطرف المسؤول.

النقطة الهامة في تشكيل وصلاحيات عمل فريق IIT، ليست فقط نوعية الصلاحيات التي يتمتع بها بل وأيضاً عدم ارتباط مهمته بمدة زمنية محددة تقتضي الرجوع إلى مجلس الأمن لتجديد ولايته، وهو ما كان يفسح المجال لدول مثل روسيا، لاستخدام الفيتو لمنع تجديد ولاية مثل هذه البعثات، حيث تم تشكيل فريق IIT ليكون تابعاً لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وللعمل على حوادث تم الإبلاغ فيها عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، وتنتهي مهمته بانتهاء التحقيق في إثبات هذه الحوادث وتحديد المسؤول عنها.

وبالفعل أصدر فريق IIT -حتى الآن-، أربعة تقارير رئيسية عرض فيها نتائج تحقيقاته حول استخدام السلاح الكيماوي في اللطامنة/ريف حماة (مارس 2017)، و سراقب/ريف إدلب (فبراير 2018)، و دوما/ريف دمشق (أبريل 2018)، و مارع/ريف حلب (أيلول 2015)، واتهمت التقارير بشكل صريح النظام بالمسؤولية عن استخدام السلاح الكيماوي في كل الحالات التي حققت فيها عدا حالة واحدة اتهمت فيها تنظيم داعش (مارع 2015)، ويتم العمل حاليًا على استكمال التحقيقات في عدة حالات متبقية.

نهج روسي جديد

هذه الآلية في التعامل مع ملف الكيماوي السوري فوتت الفرصة على النظام وحلفائه لاستخدام أدواتهم المعتادة لعرقلة جهود التحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية، وهو ما حفزهم فيما يبدو لاتباع نهج جديد بدأ في 2023، لمحاولة تعطيل هذا الملف عبر إثارة الجدل حول حاجة مجلس الأمن لعقد جلسات شهرية لمناقشة ملف الكيماوي إلى جانب الجلسات المتعلقة بالوضع الإنساني والوضع السياسي في سوريا، والعمل على إسقاط جلسة مناقشة الكيماوي السوري من جدول أعمال مجلس الأمن، والدعوة لإغلاق هذا الملف بشكل نهائي، 

وهذا توجه يشارك فيه النظام وروسيا والصين بالإضافة إلى الإمارات التي صرحت يناير 2023 على لسان مندوبتها في الأمم المتحدة أن “ملف الكيميائي في سورية من أكثر الملفات المسيسة في مجلس الأمن”، ولدى رئاستها الدورية لجلسات مجلس الأمن في يونيو 2023، أسقطت الإمارات الجلسة المخصصة لمناقشة ملف الأسلحة الكيماوية من أجندات اجتماعات مجلس الأمن الشهرية- على غرار ما فعلت روسيا قبلها بشهرين-، واكتفت بإدراج الجلسة المخصصة لمناقشة القضايا السياسية والإنسانية.

تعقيدات إضافية

من بين العديد من الهيئات والفرق التي تم تشكيلها على مدار السنوات الماضية لمتابعة التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، توجد حاليًا ثلاث بعثات تابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية تتمتع بولاية نشطة للعمل على قضايا التحقق من الأسلحة الكيميائية:

  • فريق تقييم الإعلان (DAT): انشيء في أبريل 2014
  • وبعثة تقصي الحقائق (FFM): انشيء في أبريل 2014
  • فريق التحقيق وتحديد الهوية (IIT):  انشيء في نوفمبر 2018

إذ يقوم مجلس الأمن بمناقشة تقارير هذه البعثات بشكل دوري في جلسات مخصصة لهذا الغرض ضمن أجندة اجتماعاته الشهرية، إلى جانب جلسات أخرى تتعلق بالوضع الإنساني والوضع السياسي في سوريا.

ورغم زعم روسيا بعدم وجود تقدم في هذا الملف إلا أن تقارير البعثات الدولية أظهرت تحقيق تقدم ملموس خلال الفترة الماضية بالتحقيق باستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا في عشرات الحالات،

وفي الوقت الذي يسعى فيه النظام وحلفائه إلى “تبريد” ملف الكيماوي في مجلس الأمن والأوساط الدولية، وصولاً إلى إغلاقه بشكل نهائي، -بحسب مطالبات روسيا وممثل النظام السوري في مجلس الأمن-، فإن الأدلة التي تخلص إليها تقارير اللجان الدولية لا تنفك تتعاضد ضد النظام، معتبرة إياه المسؤول الأول عن استخدام هذه الأسلحة خلال السنوات الماضية من الحرب في سوريا،

ومما يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة للنظام، أن العديد من مزاعم الهجمات بالأسلحة الكيماوية التي تم إثبات أو ترجّح وقوعها بالفعل، من خلال تحقيقات البعثات الدولية أو المنظمات الإنسانية أو مراكز البحوث، تم ارتكابها ما بعد 2014، أي بعد إعلان النظام وتعهده بالإبلاغ عن كل مخزونه من السلاح الكيماوي وتدميره، وهذا يعني أن النظام لم يكن صادقاً في الإبلاغ عن حجم مخزونه من السلاح الكيماوي وأنه استمر في استخدام هذا السلاح حتى بعد انضمام سوريا إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية في أكتوبر 2013، والإعلان عن تدمير كامل مخزونه في 2014، وهو ما تشير إليه إحاطات وتقارير اللجان الدولية الشهرية التي تشكو من تعذر الوصول إلى المناطق التي تريد التحقيق فيها أو امتناع النظام عن استقبال هذه البعثات والتعاون معها أو عدم الدقة في الكشف عن مخزونه من الأسلحة الكيماوي وتدميرها.

ومع تكشف المزيد من الحقائق بخصوص استخدام الكيماوي في سوريا واستمرار اللجان الدولية في التحقيق في المزيد من الوقائع المتعلقة بهذا الملف سواء منها التحقيقات التي ترمي لإثبات استخدام الأسلحة الكيماوي من عدمه أو تلك التي تتعدى ذلك إلى محاولة تحديد المسؤول عن تنفيذ هذه الهجمات، فإن النظام والدول الداعمة له وخصوصاً روسياً والصين ستستمر في محاولة تضعيف هذا الملف -ملف الكيماوي-، ومن المرجح أن تستمر باستخدام نفوذها وصلاحياتها في مجلس الأمن لتعطيل الإجراءات التي يمكن أن يتم اتخاذها بناء على نتائج التحقيق في هذا الملف، مما يرشح ملف السلاح الكيماوي في سوريا لمزيد من التجاذبات على المستوى الدولي في الفترة المقبلة.

ضع تعليقاَ