مايو 5, 2024

حروب روسيا الأبدية: سوريا والسعي وراء مكانة القوة العظمى

موسكو قد تجد حربها في الجغرافيا السياسية عالية المخاطر وأكثر تكلفة مما كان متوقعًا.

Robert E. Hamilton

هذا المقال مترجم عن foreign policy research institute

يصادف سبتمبر 2021 الذكرى السادسة لتدخل روسيا الاتحادية في الحرب الأهلية السورية.

حيث سمحت الإستراتيجية الصبور والمرنة لموسكو في مقابل الاستراتيجيات الغربية المشوشة والمترددة بتحقيق هدف روسيا الأولي المتمثل في منع سقوط نظام بشار الأسد، كما أعاد الكرملين موضعة نفسه كلاعب في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط.

لقد أشاد النُقّاد بانتصار الكرملين بعد أول عامين من التدخل، ولكن اليوم وبعد أربع سنوات من تلك الإشادات، فلا يزال جزء كبير من سوريا خارج سيطرة روسيا وحلفائها، الذين يبدو أنهم ليس لديهم أي فكرة عن كيفية تحويل نجاحهم العسكري الأولي إلى انتصار سياسي. ولا تزال قوات سوريا الديمقراطية، مدعومة بوجود عسكري أمريكي صغير ولكن قوي، تسيطر على الثلث الشمالي الشرقي من البلاد. بينما تسيطر الحامية الأمريكية والمنطقة الأمنية المحيطة بها على منطقة التنف الحرجة، حيث تلتقي الحدود السورية والأردنية والعراقية. 

أما محافظة إدلب المضطربة في شمال غرب سوريا فتستضيف مجموعة من الجماعات -من الفرع السوري السابق للقاعدة إلى الميليشيات المدعومة من تركيا- وكلها مكرسة للإطاحة بالأسد، حيث كاد التصعيد هناك في أوائل عام 2020 أن يُدخل روسيا وتركيا في صراع عسكري مباشر.

وبعد أن فشلت روسيا في محاولاتها لإعادة بناء الجيش السوري وجعله يتولى زمام القيادة في الحرب، عززت روسيا بهدوء قواتها في سوريا، والتي تٌقدر بحوالي 13000 مقاتل.

إن صراع روسيا من أجل إخراج نفسها من سوريا يمثل مشكلة كبيرة، غير أن ضجر الجمهور الروسي المتزايد من مغامرات الكرملين الخارجية هو مشكلة أكبر. 

إذ أظهر استطلاع حديث أجراه مركز ليفادا الروسي أن 32٪ فقط من الروس يقولون إنه من المهم لروسيا أن تكون قوة عظمى يحترمها الآخرون -أدنى رقم في عقود فلاديمير بوتين- بينما قال 66٪ أن مستوى المعيشة المرتفع أكثر أهمية من كونها قوة عظمى.

إن نضال الكرملين للخروج من الحرب ليس المشكلة الجيوسياسية الوحيدة، بل يضاف إليها الوجود الروسي غير المعترف به والواضح في أوكرانيا الذي يدخل عامه السابع.

يضاف إلى ذلك أن الفوضى التي خلفتها الولايات المتحدة بعد الانسحاب من أفغانستان قد تجبر موسكو على زيادة وجودها العسكري في آسيا الوسطى.

كل عمليات الانتشار هذه مجتمعة، يمكن أن تتسبب في إجهاد موارد روسيا العسكرية التي تتوسع ولكنها لا تزال محدودة.

وعلى الرغم من أن عمليات التوسع والانتشار هذه قد تغذي رؤية الكرملين لنفسه كقوة صاعدة وحاجته إلى التنافس مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، إلا أن عمليات الانتشار هذه لا تفعل الكثير لتهدئة مخاوف المواطنين الروس العاديين.

روسيا ليست دولة ديمقراطية، ولكن يجب أن تظل حكومتها منتبهة لإرادة الجمهور، وخلال أكثر من عقدين من وجود بوتين في السلطة، استند ادعاءه بالشرعية إما إلى إدارته للاقتصاد أو قدرته على حماية روسيا من التهديد المزعوم الذي يمثله الغرب.

وبالنظر إلى التفضيل الواضح للجمهور الروسي للزبدة على البنادق، وحقيقة أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد الروسي كان أقل في عام 2020 مما كان عليه في عام 2008، فإن الحجة الاقتصادية لا تجد قوة دفع.

ومع تراجع خوف الجمهور الروسي من الزحف الغربي، الذي سبق وبلغ ذروته خلال أزمة أوكرانيا في أوائل عام 2014، لدرجة أن معظم الروس ينظرون إلى الغرب على أنه إما حليف (44٪) أو صديق (13٪) ، مع 29٪ فقط ينظرون إليه على أنه منافس و 5٪ فقط يرونه كعدو،

وبالتالي فما لم تكن روسيا قادرة على موازنة رغبتها في الحصول على مكانة قوة عظمى مع القدرة على معالجة مخاوف جمهور الروس، فقد تجد موسكو حربها في الجغرافيا السياسية عالية المخاطر وأكثر تكلفة مما كان متوقعًا.

الدكتور Robert E. Hamilton (روبرت إي هاملتون): عقيد متقاعد، أستاذ مشارك في الدراسات الأوروبية الآسيوية في الكلية الحربية للجيش الأمريكي وزميل البحر الأسود في معهد أبحاث السياسة الخارجية.

ضع تعليقاَ