يوليو 16, 2024

السيناريوهات والمآلات المحتملة للمشهد السوري: إصدار حزيران/يونيو 2021

ملخص تنفيذي

  • في هذا الملف نحاول تقديم تصور عن المسارات(السيناريوهات) الأساسية التي يمكن أن يسلكها المشهد السوري والمآلات المحتملة على المدى المنظور -وليس الاستراتيجي البعيد-، وتختلف طريقة التعبير عن السيناريوهات والمآلات التي يمكن التنبؤ بها لأي قضية باختلاف الزاوية والمستوى التي يُنظر من خلالها للمشهد، وفي هذا التقرير ننظر للمشهد السوري من زاوية “حالة الاشتباك” بين الأطراف المتنازعة في سوريا، ودرجة التقدم الحاصلة في ضبط “حالة الاشتباك” وما ينبني على ذلك من تبعات على أوضاع المناطق، والآفاق التي تفتحها لكل طرف للاستمرار والتحرك ومحاولة إنفاذ مشروعه من عدمه. 
  • وفي كل إصدار من هذا التقرير نعمل على تضمين المعطيات الجديدة وتعديل المخططات والمسارات والمآلات المحتملة بما يتناسب والتطورات التي تؤثر على مستقبل سوريا، مع الإشارة للتعديلات والتطورات في كل إصدار.
  • رغم المسار الصعب الذي قطعه الوضع السوري فلا يبدو أنه وصل إلى طور الاستقرار ناهيك عن أن يصل إلى شكل نهائي، إذ إن استمرار التجاذب الدولي والإقليمي حول مختلف ملفات الشرق الأوسط، والتدهور المتزايد في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وضبابية مستقبل الحل السياسي وتشابك الوضع في سوريا مع ملفات وقضايا معقدة أخرى على المستوى الإقليمي والدولي، كل هذا يترك المجال مفتوحاً دائماً أمام تحوُّلات جديدة.
  • يؤكد هذا الإصدار على أن القضية السورية اليوم تعيش ما أسميناها حالة “الاشتباك المقيد“، التي تستمر بموجبها الأطراف الثلاث الرئيسية (المعارضة، النظام، الإدارة الذاتية) ومن خلفها دول النفوذ (الولايات المتحدة، روسيا، تركيا، إيران)، بالاشتباك مع بعضها البعض، ولكن وفق قواعد وحدود رسمتها بشكل أساسي تفاهمات دول النفوذ، وبدرجة أقل قدرات وتشكلات الأطراف السورية ثم تدخلات الدول الأخرى المعنية بالشأن السوري بحكم معاناتها من تبعاته (أوروبا والمحيط العربي).
  • ويتنبأ هذا الإصدار بأن سوريا ستظل عالقة في مربع “الاشتباك المقيد” لفترة من الزمن قد تزيد عن الثلاث سنوات دون الوصول إلى حالة تجميد كامل للاشتباك والتوصل لتسوية سياسية من نوع ما، وقد يتخلل هذه الفترة هدناً طويلة الأمد ولكنها ستكون هشة وعرضة للنقض كونها تنبع بالدرجة الأساس من تفاهمات ثنائية أو ثلاثية للدول الضامنة ولا تستند إلى أرضية قوية تتمثل بتسوية سياسية عادلة، وضمانات حقيقية.
  • ويتابع هذا الإصدار رصد احتمالية اندلاع حراك مناوئ لبشار الأسد ونظامه في مناطق سيطرته من عدمه، نتيجة حالة التدهور المعيشي التي آلت إليها الأوضاع هناك، والفشل المتكرر في تقديم معالجات ملموسة لمختلف الإشكاليات التي تواجه المواطن السوري الذي يعيش في مناطق سيطرة النظام خصوصاً بعد زوال المبرر الرئيسي لهذا الفشل وهو الحرب مع المعارضة، مما ساهم في إحراج النظام أمام مؤيديه وأظهر ضعفه.
  • أما بخصوص سيناريو التوصل إلى تسوية سياسية فيؤكد هذا الإصدار على ما ورد في الإصدارات السابقة من هذا التقرير، بأنّ الأسد ليس لديه رغبة فعلية بالمضي بأي حل سياسي يتضمن أي نوع من المشاركة في السلطة أو التنازل عن الحكم، وأنّ خياراته الحقيقة تتلخص في: إما العودة بسوريا إلى ما قبل 2011 عبر استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية بالحملات العسكرية أو التفاهمات التفاوضية، أو التموضع في جزء منها (سوريا المفيدة)، بالتزامن مع إعادة تثبيت أركان حكمه ومحاولة إضفاء الشرعية وتسخير أدوات الديمقراطية عبر إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والعمل على إعادة إنتاج النظام مع تغييرات شكلية، أملاً بالخروج من العزلة والاعتراف به دولياً من جديد.
  • وقد تزامن هذا الإصرار من النظام على المضي في مساره الخاص مع تصعيد دبلوماسي دولي ضده، وهو التصعيد الذي بدأته الولايات المتحدة عبر فرض عقوبات قيصر، ودول أوروبا التي بدأت بالفعل ومنذ فترة بتوجيه رسائل قاسية للنظام وصعّدت من حدة اللهجة ضده وأكدت أنها لن تعترف بشرعيته ولا بنظامه في حال أصر على إجراء الانتخابات وتوعدت بأن ينال عقابه، كما أقدمت الأمم المتحدة مؤخراً على تجريم النظام رسمياً بعد اتهامه باستخدام السلاح الكيمياوي وغيره من الأسلحة المحرمة دولياً ضد الشعب السوري.
  • مع ذلك فإن التفاعلات الدولية مع القضية السورية بعد إصرار النظام على المضي في انتخابات بشار الأسد وإعلان النتائج لا تشي -إلى الآن على الأقل- بجدية المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات واضحة ضد النظام من النوع الذي يجبر النظام على المضي بالحل السياسي أو التنحي عن السلطة، وعلى العكس فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية عدة مؤشرات بعكس ذلك مثل: تخفيف العقوبات عن بعض الجهات المرتبطة بالنظام وقطع الدعم عن الجيش الوطني التابع للمعارضة وتخفيف الحصار على تعاملات إيران مع النظام، والسكوت على التصعيد العسكري الروسي ضد المدنيين في المناطق المحررة، وهو ما يشير إلى أن المجتمع الدولي يتعامل بنوع من التسليم بوجود النظام وبشار الأسد في السلطة والتعامل مع هذا الواقع والإقرار به والاستثمار فيه بدلاً من التركيز على محاولة تغييره.
  • على صعيد مسار التسوية السياسية  فلا يتوقع أن ينتج -على الأقل في الفترة الحالية-، أي نتائج ملموسة في وقت قريب طالما أن النظام يتمتع بدعم حلفائه الروس والإيرانيين الذين يحولون دون سقوط النظام أو انهياره ويحولون أيضاً دون تحول التجريم والتصريحات الدولية إلى قرارات عملية ضد النظام، ولكن هذا لا يعني أن النظام سيمتنع النظام عن المشاركة في هذا المسار بالكلية، وغالباً سيستمر في استراتيجية المشاغلة والمراوغة وتضييع الوقت بانتظار أن تنقلب الأمور لصالحه بينما يصر على تنفيذ أجندته الخاصة.
  • أما في جانب المعارضة فيتوقع أن تستمر المناطق المحررة في محاولة بلورة مؤسساتها المحلية التي حققت تطوراً ملموساً في قطاعي الصحة والتعليم خلال الفترة الماضية، ولكنها لا تزال قاصرة عن مواكبة حجم الحاجة في هذين القطاعين، بينما لازالت المنظومة الاقتصادية لهذه المناطق تتبلور ببطء شديد وتعاني من انتكاسات كبيرة بسبب استمرار الاشتباكات وظروف الوباء وفقر منطقة الشمال السوري بالموارد الطبيعية ومصادر الطاقة، أما المنظومة العسكرية والأمنية فتراوح هي الأخرى في حالة الاشتباك المقيد التي خففت كثيراً من الضغط على التشكيلات المسلحة في طرف المعارضة ولكنها في نفس الوقت قللت من الحاجة إليها بشكلها الذي اعتادت أن تكون عليه.
  • تركيا مستمرة في محاولة تعظيم مكاسبها من المشهد برمته، وترسيخ سيطرتها على مفاصل إدارة الأزمة الإنسانية، وتوسيع دائرة نفوذها وحضورها في الداخل السوري والسعي للتوصل لاتفاق تهدئة طويل الأمد وتجميد حالة الاشتباك بالاستناد إلى تفاهمات ثنائي ورعاية دولية، هذا النوع من التفاهمات وإن كان يمثل مخرجاً لحالة التأزم التي يمر بها الملف السوري من وقت لآخر ولكنه لا يقدم حلاً حقيقياً للمشاكل التي يعاني منها السوريون وبالتالي تبقى احتمالية عودة الأوضاع للانهيار والتدهور قائمة وبدرجة ليست بالهينة.
  • يقترح هذا الإصدار أن على المعارضة السورية ومؤسسات الرسمية (الائتلاف والحكومة المؤقتة) الالتفات لضرورة عدم الاكتفاء بالدور الدبلوماسي والتحول إلى الدور السياسي، ومحاولة اتخاذ خطوات فعالة في هذا الصدد عبر الاقتراب أكثر من المكونات الميدانية والتلاحم مع الجماهير والانتقال بمقراتها وفروع عملها إلى الداخل السوري. وصولاً إلى إيجاد آليات فعالة لإعادة تمثيل المعارضة وفق مقتضيات التمثيل السياسي لجمهور المعارضة والمنطقة المحررة بالدرجة الأساس.
  • أما بخصوص الفواعل الآخرين مثل تنظيم داعش فيتنبأ هذا الإصدار باستمرار عمليات التنظيم واستمرار استراتيجيته التي تهدف إلى تثبيت فكرة استمرار وجود التنظيم ونقض مزاعم القضاء النهائي عليه التي تسوق لها الولايات المتحدة وحلفائها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
  • مع التأكيد على حرص التنظيم من وقت لآخر على القيام بعمليات نوعية موجهة نحو أهداف “ثمينة” ليس لأنه يرغب بمزيد من التصعيد بقدر ما يأمل بأن يعاد التعامل معه كقوة فاعلة أساسية يحسب حسابها في أي تسويات أو تفاهمات تجري في المناطق التي ينشط فيها، وهذا ما يفسر حرص التنظيم على النشاط في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية والمعارضة، والبعد عن مناطق النظام إذ أن قيامه بعمليات في مناطق النظام لن يكون مفيداً في توجيه الرسالة التي يريد إيصالها محلياً ودولياً ولكن نشاطه في مناطق الإدارة الذاتية والمعارضة يمكن النظر إليه على أنه طريق مختصر نحو لفت انتباه الفواعل الدوليين واستفزازهم لإعادة النظر بطريقة التعامل مع التنظيم ولو بعد حين.
  • مع ذلك فلا يتوقع أن تلقى فكرة إعادة تقييم الموقف من تنظيم الدولة أي أصداء في المدى القريب ولا البعيد لا على الصعيد المحلي ولا الدولي، ولا يوجد ما يؤشر على أن التنظيم سيتمكن فعلاً من العودة ليصبح من الفواعل الرئيسيين في الساحة السورية.

ضع تعليقاَ