أبريل 29, 2024

“شيمشك” على رأس الاقتصاد التركي.. من جديد

شيشك

نهج سياسات أردوغان الاقتصادية في السنوات الأخيرة هي مغايرة تماماً لنهج سياسات شيمشك الحالية

حزيران/يونيو 2023

مع إعلان الرئيس أردوغان عن حكومته الجديدة، تتجه الأنظار نحو محمد شيمشك “وزير المالية الأسبق” الذي تولى حقيبة الخزينة والمالية في تركيا، فما سبب اهتمام أردوغان به؟ وماذا سيقدم للاقتصاد؟ وما هي التحديات التي تواجه شيمشك بعد أن تم إعلانه على رأس الاقتصاد التركي من جديد؟


التعليق

– محمد شيمشك وزير المالية الناجح والذي تم اختياره كأفضل وزير مالية لعام 2013 في أوروبا، يعود من جديد إلى الساحة السياسية، وجعله على رأس الاقتصاد التركي، وبما أن سياسة شيمشك هي سياسة عامة ومتكاملة مع مؤسسات الاقتصاد فهذا يعني أن إدارة الاقتصاد ستكون عبر فريق اقتصادي يضم كل من وزير التجارة والمالية ونائب الرئيس للشؤون الاقتصادية. تأتي هذه الخطوة بعد أشهر من عرض قدمه أردوغان لشيمشك لكن الأخير رفض متعلّلاً بالتزاماته وارتباطه الدولية.

– نهج سياسات أردوغان الاقتصادية في السنوات الأخيرة هي مغايرة تماماً لنهج سياسات “شيمشك” الحالية، وبالتالي فإن كل المؤشرات الحالية تدلّ على أن أردوغان هو من قبل بشروط شيمشك، وهي إعطاؤه الصلاحيات الكاملة وعم التدخل في قراراته فيما يخص السياسات المالية والبنك المركزي وسياسة الفائدة، ولكن هذا لا يعني أن أردوغان مضطر ليلتزم بشروط “شيمشك” لأن أردوغان يستطيع عزله كما تم عزل وزراء مالية سابقين، وهذا كان إحدى أهم التخوفّات التي تواجه “شيمشك” أثناء قبوله “في حال اختيار” حقيبة المالية، لكن التحدي الأكبر هو في كيفية التوفيق بين سياسة أردوغان في تخفيض الفائدة وبين سياسة شيمشك “الأرثوذوكسية”.

– يقوم النهج الاقتصادي العام على مدرستين، الأولى تقليدية “أرثوذوكسية” orthodox والثانية غير تقليدية heterodox، أما القناعة العامة لدى المراقبين فهي بأن سياسة “شيمشك” المالية سوف تقوم على سياسة ضريبية تؤثر على النشاط الاقتصادي، وتحفيز العرض والطلب أو تحجيمه من خلال سياسات الإنفاق العام، والتأثير على السيولة في الاقتصاد من خلال الاقتراض العام، وسياسية التحفيز الاستثماري بتقديم حوافز ضريبية، كما تتضمن سياسة دعم الشركات المنتجة من خلال الشراء لصالح القطاع العام. أما ما يخص سياسته في التجارة الخارجية، فهي تقوم على تقوم على دعم المصدرين وإعفائهم من الضرائب، والتحكم في الواردات بتحديد نسبة الضرائب حسب توجهات السياسة الاقتصادية. أما ما يخص السياسة النقدية وهي محور النقاش في وجود شيمشك في التشكيلة الجديدة تقوم على أدوات مباشرة وغير مباشرة، أما الأدوات المباشرة فهي بتحديد سقف للقروض، وتثبيت سعر الفائدة أو رفعه حتى، أو تطبيق سياسة اختلاف الفائدة بحسب نوع وسبب القرض. أما أدواته الغير مباشرة فهي تتمحور حول عمليات السوق المفتوحة أو بمعنى أخر يقوم البنك المركزي بالتحكم بالسيولة الموجودة في السوق ببيعه وشرائه للأوراق المالية، بالإضافة إلى إعطاء صلاحية للبنك المركزي برفع وتخفيض الفائدة حسب متطلبات السوق، ومنح البنك المركزي صلاحيات اقتطاع جزء من واردات البنك لأغراض احترازية “احتياطي نقدي”. أما السياسة الثالثة النقدية التقليدية هي في تثبيت سعر الصرف مقابل العملات الأخرى وتطبيقه في السوق، وذلك بتدخل البنك المركزي في حال تعرضت العملة لهزّات للإبقاء على سعر الصرف الثابت.

– أما في حالة السياسة الغير تقليدية heterodox فهي تركز على تحديد “وتجميد” الأجور وتحديد الأسعار وزيادة الصادرات ورفع الضرائب على الواردات أمام المنتجين.

– كل من تلك السياستين تؤثر في جلب الاستثمارات المباشرة أو غير المباشرة “عبر الصناديق الاستثمارية”، أما الاستثمارات الغير مباشرة أو الصناديق الاستثمارية فيها من المرونة ما يمكّنها من الحركة في الدخول أو الخروج من السوق بسرعة، وبالتالي ينعكس هذا الأمر على البورصة وبالتالي خلل في سريان الاقتصاد، أما الاستثمارات المباشرة، وهنا أهميّة شيمشك تكمن في أنّها توفّر فرص عمل وهي استثمارات طويلة الأمد وليس لديها المرونة المتاحة لدى الصناديق الاستثمارية، وبالتالي فإن هذا النوع من الاستثمار المباشر يحاول التكيف مع متغيرات السوق سلباً أو إيجاباً ويترك خيار الانسحاب من السوق آخر الخيارات. سمعة شيمشك في الميادين العالمية، بالإضافة لكون الفترة التي استلم فيها وزارة المالية بين 2009 – 2013 كانت ذروة الاقتصاد التركي، أضف إلى ذلك نجاحه في إدارة الكثير من الشركات العالمية، سيجعل المستثمرين المباشرين أكثر ثقة في استقرار الاقتصاد التركي أمام التقلبات الداخلية والخارجية، وبالتالي هجرة رؤوس الأموال المباشرة “الأموال الساخنة” للاستثمار في تركيا بدل البحث عن دول أكثر استقراراً من وجهة نظر خارجية.

– يصرّ أردوغان في كل لقاء جماهيري أو عام على مفهوم خفض الفائدة وعدم الإبقاء على وضعها الحالي، بينما سياسة شيمشك تكمن في رفع الفائدة أو تثبيتها على الأقل، وسنكون هنا أمام عدة احتمالات، إما أن يعطي أردوغان صلاحية كاملة لشيمشك، أو أنّ شيمشك قبل بحقيبة المالية ضمن رؤية أردوغان للاقتصاد، أو أن شيمشك سيسعى للدمج بين السياستين التقليدية والغير تقليدية، وبالتالي ستكون هذه السياسة بقيادة شيمشك أكثر جاذبية للأموال الساخنة وأكثر أماناً للاستثمارات المباشرة الطويلة الأمد. ويبدو أن الخيار الثالث هو الأرجح الذي سيجمع بين رؤية أردوغان في رفع الصادرات وتوفير فرص اليد العاملة وخفض الفائدة، وبين سياسة شيمشك التقليدية.

– بمجرد ذكر اسم محمد شيمشك ضمن التشكيلة الجديدة لأردوغان فقد سارعت الأقلام الغربية للكتابة بإيجابية حول مؤشرات الاقتصاد التركي، وإمكانية العودة بالاقتصاد للقوة التي كان عليها عندما كان شيمشك وزيرا للمالية حينها، لكن بالمقابل فاتباع سياسة مالية جديدة ليس بالضرورة أن يعني التراجع عن السياسات السابقة، مما يعني أن أردوغان وبأي وقت قد بالتفاف معاكس ويغيّر السياسة المالية المتبعة لسياسة أخرى كما فعل من قبل. 

ضع تعليقاَ