مايو 3, 2024

أزمة النظام الاقتصادية.. حقيقية أم مبالغ فيها ولماذا لا يحاول التقليل من شأنها كالمعتاد ؟

باسل حفار

مؤشرات الأزمة الاقتصادية في سوريا ليست عادية وحجم الأزمة ربما يكون فعلاً أكبر من أي وقت مضى ولكنها ليست المرة الأولى التي يمر فيها النظام ومناطق سيطرته بأزمة اقتصادية خانقة وليست المرة الأولى التي يتدهور فيها سعر الصرف الى حد دون المتوقع أو المعقول، فمنذ أن قرر النظام مواجهة الحراك في سوريا واعتمد السلوك الوحشي لقمع ثورتها وهو يتعامل مع وضع اقتصادي يتردى باستمرار.

ما يميز الأزمة الاقتصادية التي يمر بها النظام اليوم هو عدم اكتراث النظام بإخفائها أو إنكارها أو الادعاء المعتاد بأنها أزمة عابرة وتبشير “الصامدين” بقرب تجاوزها إلى انفراجة مبهرة، على نمط تصريح رئيس حكومة النظام عرنوس الذي صرح مؤخراً بأن: “خلال الأيام القليلة القادمة سيتم إنهاء أزمة المشتقات النفطية في سورية وسيشهد جميع المواطنين انفراجات كبيرة ايضاً”.

وعلى العكس من ذلك فيبدو أن النظام لا يخجل هذه المرة من إظهار أوجه المعاناة وليس فقط الإقرار بها أو السكوت عنها، في وقت يتعرض فيه نظامه إلى ضربة ليست بالهينة من طرف “السويداء” التي انتفضت احتجاجاً على تردي الأوضاع وضعف الخدمات وتسلط الأجهزة الأمنية.

وعلى غرار بدايات الحراك في سوريا في 2011، فيبدو أن عدوى التحرك ضد النظام قد تنتقل بالتدريج إلى مناطق أخرى، فتجربة السويداء في تحصيل الخدمات من النظام لن تتوقف عند حدود محافظة السويداء أو المكون الدرزي وقد بدأت تظهر بالفعل دعوات في مناطق أخرى واقعة تحت سيطرة النظام للتظاهر والمطالبة بتوفير الخدمات، مثل منطقة “مصياف” و “سلحب” في حماة، حيث انتشرت عريضة منسوبة الى أهالي مصياف حملت عنوان “ضد ظلم الأقلية” اتهمت المحافظ بالطائفية والعنصرية في عمله، وأشارت إلى أنّ مصياف تملك من القوة ما يجعلها ساخنة بما فيه الكفاية لتحمل السلاح كغيرها، في إشارة لمحافظة السويداء.

يقوم منطق النظام في الحصول على الدعم الدولي على أنه إذ يحاول الاستجابة للحلول المطروحة فهو يتوقع بالمقابل أن تتم الاستجابة لطلباته خصوصاً عندما يأتي الضغط من طرف الحلفاء والأصدقاء، وبعكسه فإن النظام مستعد دائماً لبدء حرب جديدة تزيد من تدهور الأوضاع في المنطقة وتطلق موجة لاجئين جديدة وترفع مستويات التهديد بالإرهاب.

من وجهة نظر النظام فقد قام بوقف عمليات عسكرية في وقت كانت قواته تحقق تقدماً في مناطق المعارضة، وجارى الأمم المتحدة والمعارضة في مسار اللجنة الدستورية، وأدخل تعديلات على دستوره بما يسمح بتطبيق نماذج إدارية محلية أقل مركزية وعدّل في طريقة إدارته للبلاد بحيث أفسح مجالاً أوسع للحكومة ورئيسها لممارسة صلاحياتهم، ووضع بعض أقاربه تحت الإقامة الجبرية وصادر جزءً كبيراً من أموالهم وأعاد توطينها في منظومة الدولة -هكذا ادعى-، وأدخل تعديلات غير معتادة في المنظومة الأمنية والعسكرية على مستوى الأشخاص والهيكليات، وتراجع عن مطالبه بتقديم اعتذار رسمي من المنظومة العربية ومن تركيا ليوافق على التواصل المباشر معهم، وسمح بعودة سفراء بعض الدول وفتح الحدود مع الأردن وأعاد الحركة التجارية، والتزم بحدود أستانة وسوتشي ولم ينكر اتفاقية أضنة.

كل هذه الإجراءات -من وجهة نظر النظام- هي مرونة معتبرة من طرفه من المفترض أن تلقى دعماً مناسباً من أصدقائه على الأقل، بما يسمح له بالحفاظ على الحد الأدنى من متطلبات العيش في مناطق سيطرته خصوصاً فيما يتعلق بالخدمات التي تُعتبر الحكومة مسؤولة عنها بشكل مباشر مثل الكهرباء والوقود والصحة والتعليم.

عندما بدأت روسيا بغزوها للأراضي الأوكرانية في شباط/فبراير 2022، عوّل النظام بشكل مبالغ فيه على روسيا ولم يتوان عن إعلان تأييده المطلق لها واستعداده لإرسال مقاتلين للقتال الى جانب بوتين في الحرب،

يدرك النظام أنه لا يملك رفاهية التردد ولا أنصاف المواقف، إلا أن الحماسة التي أظهرها إلى جانب روسيا تخفي خلفها ما هو أبعد من مجرد النكاية بالولايات المتحدة وأوروبا أو الارتهان لروسيا واضطراره لتأييدها، لقد حاول النظام من خلال تخندقه العميق إلى جانب روسيا أن يرتقي بعلاقته معها ويخرج من دائرة التسول -والدعم بالفاتورة- إلى مرتبة الصديق الموثوق، وفي خضم ذلك كان عليه ان يبرر موقفه لايران ويطمئن الإيرانيين الذين لم يشاركوه الحماسة التي أظهرها في تأييد الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما استدعى زيارة شخصية لبشار الأسد الى إيران، بالإضافة إلى كم هائل من التواصلات والزيارات المتبادلة على كافة المستويات بما فيها تدخل وسطاء العراقيين.

ومرة أخرى تجري السفن بما لا يشتهي النظام، فقد انتظمت الأحجار بطريقة أصبح فيها النظام محاصراً من جديد بما يشبه وضعه في 2012 و 2013، ولكنه هذه المرة ليس في حالة حرب لتبرر طلبه المستمر للدعم.

فإيران تعاني من قلاقل ووضع داخلي مضطرب لا تحسد عليه، وروسيا تواجه صعوبة في تمرير بواخرها و إمداداتها عبر المضائق وتركيا تتبوأ موقعاً دبلوماسياً يزداد أهمية يوماً بعد يوم، ودول المنطقة تتحرك بحذر محاولة تجنيب نفسها تبعات الحرب والأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم، وقطر التي لطالما سخر منها وقلل من شأنها تستضيف واحدة من أنجح نسخ مونديال كأس العالم، وتستعيد لحمتها مع محيطها، أما النظام فيبدو معزولاً أكثر من أي وقت مضى ومصدر دخله الوحيد هو حبوب الكبتاجون التي يُغرق بها المنطقة والعالم، وهو يحقق أرقاماً قياسية في كميات تهريبها وعائداتها، ومستويات قلق العالم منها.

ولا تتوقف مأساة النظام عند هذا الحد، بل تتعداه الى ما هو أسوأ بكثير عند النظر في خياراته، فلا يوجد من دول المنطقة أو من خارجها حتى، من يجرؤ هذه المرة على تأييده أو مجاراته في حرب جديدة مع تركيا/المعارضة على غرار ما حصل في 2019 فقد أدرك كل من في المنطقة أن مصلحتهم ليست معه وأنه ليس أكثر من عبيء وفأل سوء على كل من يقترب منه وأن المنظومة الإقليمية بدونه أفضل من وجوده، وتبعاً لهذه الخيارات فإن الحرب الوحيدة الرابحة -بالنسبة للنظام- التي يمكن أن يخوضها اليوم هي حرب ضد قسد إلى جانب تركيا التي تلقت مؤخراً ما يمكن اعتباره إشارة إيجابية أو تفهماً لموقفها من القمة الخليجية – الصينية التي استضافتها السعودية واستنكرت الإرهاب الذي تواجهه تركيا من طرف حزب العمال الكردستاني.

أمام هذا الواقع، يبدو أن النظام قرر أن “ينشر غسيله” ويطلق نداء التسول الأوسع منذ بداية الحراك في 2011 عبر إغلاق مؤسسات الدولة وتعطيل الحركة في المناطق الواقعة تحت سيطرته هذا على الصعيد الداخلي وهو أمر غير مبرر لأن النظام مستمر بتحريك آليات وحشود عسكرية على جبهات إدلب وحماة وكان الأولى به وقف هذه الحشود والتحركات العسكرية وتوجيه مواردها لتشغيل مؤسسات الدولة، وعلى الصعيد الخارجي فقد عمد إلى إغلاق سفاراته في الخارج أو وقف إصدار الوثائق في كل من إسطنبول والإمارات والكويت ودول أخرى، في محاولة لتحميل الآخرين جزء من تبعات محاصرته والضغط عليه، وهو أمر غير مبرر أيضاً لأن الوثائق التي تصدرها السفارات السورية يدفع السوريون في الخارج ثمنها أضعافاً مضاعفة، إذ تبلغ كلفة استخراج جواز السفر السوري مثلاً بشكل رسمي حوالي 800 – 1000 دولار أمريكي للمستعجل و 300 – 500 دولار أمريكي للعادي.

كل هذا لا يعني أن النظام ليس بإمكانه سلوك خيار التصعيد العسكري وبدء مواجهة عسكرية مفتوحة جديدة ولن يعدم دعماً عسكرياً روسياً وإيرانياً إذا أقدم على هذه الخطوة ولكنه جرب هذا (الحل) سابقاً وبقدر ما استفاد منه على المدى القصير بقدر ما أضر به وأضعف موقفه على المدى الأبعد، وهو ما أوصله إلى اللحظة البائسة التي يعيشها حالياً.

منذ بداية الحراك في سوريا كانت هناك محطات قليلة جداً حصل فيها توافق فعلي بخصوص القضية السورية وأحدها هذه اللحظة التي تتفق فيها الأطراف على ضرورة خضوع النظام لمسار “الحل الدولي” -كما فعلت المعارضة في 2015 و 2016- والذي يصادف أنه يضيق كثيراً وبات يمر بمسارات دقيقة أكثرها منطقية وألماً في نفس الوقت، بالنسبة للنظام، ذلك المسار الذي يمر عبر تركيا.

ضع تعليقاَ