أبريل 26, 2024

فورين بوليسي: كيف يجعل ترامب الوضع في سوريا أكثر تعقيدا؟

هذه المادة مترجمة عن موقع Foreign Policy

على الرغم من أن النهج الخاطئ الذي تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا يستحق القليل من الإنصاف، إلا أنه يجب على إدارة ترامب التوقف عن تعقيد الوضع هناك. فقد أدى عدم التنسيق الكافي للسياسات الأمريكية، وتغريدات الرئيس غير المترابطة، فضلا عن تصريحات كبار المستشارين غير المتناسقة إلى تشويش الأوضاع في الشرق الأوسط. 

كما أن الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية من الأراضي السورية، الذي أمر به الرئيس دونالد ترامب، لن يؤدي إلا إلى مزيد تفاقم التوتر بين تركيا- الدولة العضو في منظمة حلف الشمال الأطلسي التي تسيطر عليها مخاوف أمنية مشروعة- ومقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية الذين أراقوا الدماء من أجل الولايات المتحدة ويستحقون معاملة منصفة.

لطالما مثل هذا التوتر محور اهتمام النشاط العسكري الأمريكي في سوريا منذ زمن طويل. فقد قاوم الرئيس السابق باراك أوباما لفترة طويلة دعوات التدخل المباشر في الحرب الأهلية السورية، لكنه سعى إلى إيجاد طريقة سريعة لدحر تنظيم الدولة في المنطقة. وعندما شنت الولايات المتحدة حملة جوية ضد جماعات تنظيم الدولة في سوريا خلال شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2014، قامت بنشر عناصر خاصة لمساعدة القوات المحلية ميدانيا. حينها، اكتشفت الولايات المحتدة أن وحدات حماية الشعب تضم مقاتلين فعالين وبدأت العمل على  تطوير قدراتهم.

تكمن المشكلة في أن هذه الحركة تنتمي إلى حزب العمال الكردستاني، المصنف من قبل كل من تركيا والولايات المتحدة جماعةً إرهابية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تؤكد أن وحدات حماية الشعب لا تندرج ضمن نفس الحزب، إلا أن المسؤولين الحكوميين وزعماء الكونغرس يقرّون بوجود علاقات بين الجانبين. 

قال الجنرال ريمون توماس، رئيس قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، إنه أوصى وحدات حماية الشعب بضرورة الظهور في ثوب جديد يأخذ بعين الاعتبار مخاوف تركيا، الأمر الذي أدى إلى إنشاء قوات سوريا الديمقراطية. وتعتبر هذه الحركة الجديدة مظلة تضم كلا من وحدات حماية الشعب وعددا صغيرا من المقاتلين السوريين. ومن جهتها، واصلت إدارة ترامب اتباع نفس هذا النهج.

لقد اعترض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على التعاون الأمريكي مع وحدات حماية الشعب، مؤكدا أن هؤلاء المقاتلين ينشطون بكل حرية بين صفوف قوات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني. كما عبر أردوغان عن قلقه من إمكانية وصول الإمدادات التي قدمتها الولايات المتحدة إلى وحدات حماية الشعب إلى حزب العمال الكردستاني، واصفا المنطقة التي تسيطر عليها هذه الحركة، التي تمتد على طول الحدود التركية، بأنها تهديد وجودي للبلاد.

على الرغم من أن وحدات حماية الشعب لم تهدد تركيا، إلا أنها رفضت قطع علاقاتها العملية مع حزب العمال الكردستاني ما يبعث على القلق؛ نظرا لأن الكفاح المسلح الذي شنه حزب العمال الكردستاني ضد تركيا من أجل حقوق الأكراد قد أسفر عن وفاة نحو 40 ألف شخص خلال العقود الأخيرة. كما امتدت التوترات في سوريا إلى السياسة الداخلية التركية، مما ساهم في انهيار محادثات السلام التي أطلقها أردوغان مع حزب العمال الكردستاني خلال شهر تموز/ يوليو من سنة 2015 واتفاقية وقف إطلاق النار لمدة 30 شهرا.

من جهتها، قدمت الولايات المتحدة جملة من الوعود إلى أنقرة لتهدئة مخاوفها، حيث تعهد الجيش الأمريكي بجمع الأسلحة التي قدمها إلى وحدات حماية الشعب عند انتهاء الحملة ضد تنظيم الدولة. ووعد نائب الرئيس السابق جو بايدن، علنا، بأن مقاتلي وحدات حماية الشعب سيغادرون مدينة منبج ذات الأغلبية العربية بعد القضاء على تنظيم الدولة. وقال مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية إن تعاون الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب كان “مؤقتا” و”تكتيكيا”.

لطالما سعت الحكومة التركية إلى إنشاء منطقة عازلة، وهذا من شأنه أن يخدم أهدافا مزدوجة تتمثل أساسا في التخلص من وحدات حماية الشعب وتوفير ملاذ آمن لبعض اللاجئين السوريين البالغ عددهم 3.5 مليون لاجئ. وقد تفاوضت الولايات المتحدة مع تركيا طوال سنة 2015  للقيام بعملية عسكرية مشتركة، نظرا لأن الدعم الجوي الأمريكي لمقاتلي المعارضة التركية والسورية سيؤدي إلى إنشاء منطقة عازلة.

ولكن هذه الخطط تعثرت بسبب تباين الآراء حول ما إذا كان بعض المقاتلين السوريين “معتدلين” بما يكفي لدعم الولايات المتحدة، وتزايد الشكوك التي تحوم حول رغبة تركيا في هزيمة نظام الأسد في سوريا بدلا من تنظيم الدولة، وإصرار أردوغان على منطقة الحظر الجوي. وقد أصبحت هذه الخطط محل جدل بعد دخول الجيش الروسي إلى سوريا خلال شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2015.

على إثر ذلك، أطلقت تركيا بعثاتها الخاصة في شمال غرب سوريا. وقد نجحت كل من عملية “درع الفرات” في صيف 2016، وعملية “غصن الزيتون” في ربيع 2018، في إبعاد تنظيم الدولة عن الحدود التركية ومنع توسع وحدات حماية الشعب.

خلال لقاء ترامب مع أردوغان في كانون الأول/ ديسمبر، ظن المسؤولون الأمريكيون أنه سيحذر الزعيم التركي من شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مقاتلي وحدات حماية الشعب المدعومين من الولايات المتحدة (ومن ضمنها القوات الأمريكية) في شمال شرق سوريا، كما هو مقرر له، إلا أنه انتهز الفرصة للوفاء بما تعهد به خلال حملته بشأن إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن وترك المهمة لتركيا لهزيمة ما تبقى من تنظيم الدولة.

ولكن سرعان ما تعقدت الأحداث، حيث أثار مستشار الأمن القومي جون بولتون غضب أردوغان عندما أشار إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا سيكون شريطة تعهد تركيا بعدم استهداف الأكراد. كما صعّد ترامب هذا النزاع من خلال تغريداته التي تهدد من جهة “بتدمير تركيا اقتصاديا إن استهدفت الأكراد”، وتحذر من جهة أخرى “الأكراد من استفزاز تركيا”، كما أشار بشكل غير مباشر إلى إقامة “منطقة آمنة على نطاق 20 ميلاً”.

على الرغم من أن الاتصالات الهاتفية اللاحقة قد حسنت العلاقات، إلا أن الولايات المتحدة بحاجة إلى صياغة سياسة واحدة حول الشأن السوري والعمل بها. وقد أكد ترامب مراراً وتكراراً على رغبته في مغادرة سوريا، لكن مستشاريه كانوا يعملون عكس ذلك من خلال صياغتهم لأهداف بعيدة المدى لم يكن ترامب موافقا عليها (مثل مواجهة التأثير الإيراني).

يتمثل الحل الأفضل في تطوير منهج شامل يعالج المشكلة من جذورها. وفي هذا السياق، يجب على الإدارة الأمريكية أن تشجع كلا من حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية على استئناف عملية السلام. وما إن يتوقف حزب العمال الكردستاني عن تشكيل تهديد داخل تركيا، سيكف أعضاؤه المنتسبون لوحدات حماية الشعب عن التسبب في أي تهديد في المناطق المجاورة. 

كتبت أسلي أيدينتاسباس في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أنه “سيتحتم على الأمريكيين أن يفعلوا ما كانوا يحاولون تجنبه، أي دراسة الخرائط والانخراط في الهندسة الجيوستراتيجية لتحديد خطة سلم شاملة بين الأتراك والأكراد في كامل أنحاء تركيا وسوريا والعراق”. ولكن يبدو أن إدارة ترامب تفتقر حاليا إلى الوقت والصبر والثقل الدبلوماسي الضروريين (في ظل عدم وجود سفير للولايات المتحدة في أنقرة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2017).

في الواقع، إن أقل ما يجب على إدارة ترامب فعله هو إبرام مفاوضات دبلوماسية وعسكرية مع تركيا لتضمن انسحاباً مدروسا للقوات الأمريكية وتمنع خلق فراغ في القيادة قد تستغله كل من روسيا وإيران بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تحترم الولايات المتحدة وعودها السابقة التي قدمتها لأنقرة، التي تشمل جمع كل الأسلحة الثقيلة التي قدمتها لوحدات حماية الشعب، وإنهاء اتباع “خارطة طريق منبج” التي تهتم بالترتيبات الخاصة بالأمن والحوكمة.

يجب على الولايات المتحدة تقديم المساعدة لتركيا كي تحمي حدودها. ولكن إدارة ترامب تشعر بالقلق إزاء الهجمات التركية المستمرة على قوات حماية الشعب الكردية التي قد تضر بالمدنيين في جزء مزدهر من بلد مزقته الحرب؛ مما قد يوقد شرارة الصراع مع روسيا، ويصرف الانتباه عن جهود تنظيم الدولة الذي يعمل على إعادة تشكيل صفوفه، ويجهد الجيش التركي.

ومع المناقشات القائمة بين كل من تركيا والولايات المتحدة بهدف إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود، لا يزال هناك الكثير من التفاصيل المهمة التي يتعين على الطرفين توضيحها، بما في ذلك مساحة ونطاق المنطقة، فضلا عن تشكيل قوات تهتم بمراقبتها. كما يجب على أي منطقة تركية تم إنشاؤها أن تحترم التنوع. فنظرا للعدد الكبير للأكراد الذين يعيشون هناك، ينبغي على هذه المنطقة أن تسمح بتطبيق حوكمة محلية وليس التسبب في نزوح جماعي. كما يجب أن تكون هذه المنطقة العازلة حلا مؤقتا من أجل التوصل لتسوية سياسية في سوريا.

وعلى الرغم من أن إدارة ترامب لم تخلق هذه المعضلة في سوريا، إلا أنها يجب أن تساعد في حلها بشكل مسؤول. ويُظهر التفجير الانتحاري الذي نفذه تنظيم الدولة مساء أمس الأربعاء في مدينة منبج، الذي أسفر عن وفاة مدنيين وجنود أمريكيين، مدى خطورة الوضع وعدم استقراره.

ضع تعليقاَ