مايو 2, 2024

بشار الأسد إذ يغدر بـ “مريديه”

قد لا يدرك البعض حجم الإحباط والتبعات المترتبة على الرسائل المتضمنة في خطابات بشار الأسد ورموز نظامه خلال الأشهر الماضية، لمؤيديه و المراهنين عليه، والتي يمكن تلخيص مضامينها بأربع نقاط:

  • سوريا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 2011.
  • في المدى المنظور لن يكون هناك تغيير إيجابي حقيقي وملموس فيما يخص الأوضاع المعيشية في طرف النظام.
  • الأطراف المناوئة للنظام في شمال وشمال شرقي سوريا، -التي حرص النظام على تخوينها وتقتيلها- لن تزول من الخارطة وعلى العكس فوجودها يترسخ يومياً، وحتى الحملات العسكرية لم تعد كافيةً لوقف تمددها أو تطورها وكلفة الهجوم عليها سياسياً ومادياً وحتى عسكرياً أصبحت سبباً لمزيد من التردي في طرف النظام أكثر مما تتسبب به للطرف المناوئ للنظام.
  • إيران -وحتى روسيا إلى حد كبير- لا يمكنهما أو لا يهمهما، التخفيف كثيراً من تبعات العقوبات والموقف السلبي العام من النظام، بل وربما يكونان طرفاً في الضغط عليه وعلى أتباعه من حيث انتقالهما من مرحلة الدعم والاستثمار إلى مرحلة جني الثمار، والتي تأتي أيضاً على حساب السوريين خصوصاً منهم المؤيدين للنظام.

ولم تقتصر الصراحة -أو الوقاحة- المتضمنة في خطاب النظام على الاعتراف الصريح بهذه الحقائق، بعد أن كان النظام يَعِدُ أتباعه ومؤيديه بما هو عكسها تماماً حتى أن كثيراً منهم راهنوا بأنفسهم وأموالهم على وعوده،

ولكن الوقاحة في الاعتراف، امتدت لتتضمن اقترانه بحديث أكثر صرامة وصراحة عن أنّ النظام لم ولن ينحو نحو أي إصلاح دستوري أو تغيير حقيقي أو حل سياسي منطقي من أي نوع!

أكثر ما يثير الحنقة والاضطراب في هذا كله -من وجهة نظر المؤيدين- أن كل ما سبق من حقائق كارثية لم يكن سوى عربون -بسيط- دفعته “سوريا الأسد” ليس للعبور نحو الأفضل، وإنما لبقاء واستمرار النظام الذي لم يعد من بديل عنه في مناطقه على الأقل -بعد كل هذا القتل والتهجير- سوى الأسوء منه، وبالتالي لم يعد من خيار لدى من راهن عليه بنفسه أو ماله ومستقبله ومستقبل عائلته، إلا أن يستمر بدعمه أو أن يتخلى عنه وعن أي حق أو مكسب يرتجى منه، وينجو بما بقي من عائلته وممتلكاته ليكمل حياته بعيداً حيث لا يعرف حقيقته أحد على أمل أن لا تتم محاسبته على مشاركته بطريقة ما في الجريمة.

ويكتمل مسلسل “الإحباط والتردي” هذا إذا أضفنا إليه مشهد “الانبطاح لأمريكا وإسرائيل” الذي انتقده الروس أنفسهم، والمتضمن تواصل بشار الأسد مع الولايات المتحدة وإسرائيل وعرضه القيام بكل المهام المنوطة به من قبلهم في مقابل التفريج عنه.

هذا المشهد ليس إلا إعادة تمثيل رديئة عن المشهد الذي رسمه والد بشار في سبعينيات القرن الماضي وأعيد تمثيله عدة مرات من وقتها على يد حافظ الأسد نفسه ثم ابنه وعدد من رموز العائلة الحاكمة في أكثر من مناسبة أبرزها مناسبة تنصيب بشار الأسد في الحكم عام 2000.

بوضع هذه القطع جميعاً مع بعضها البعض إلى جانب كل ما عرفناه و عايشناه خلال سنوات حكم البعث وسنوات حكم بشار الأسد تحديداً من فشل ودمار وبؤس، يمكن أن نفهم حجم الإحباط واليأس الذي يشعر به اليوم كل من راهن على هذا النظام.

وبضمنهم أشخاص شكلوا منصات ووصفوا أنفسهم أو تم وصفهم من جهات معينة بالمعارضين رغم أنهم لم يقفوا يوماً ضمن صفوف الثورة التي قدمت آلاف الشهداء، وبدلاً من ذلك فقد خطّوا لأنفسهم مساراً لم يقم من الأساس على القطع مع هذا النظام بل حافظوا على صلات معه وانفتاح عليه وظنوا أنهم إن تواصلوا وجلسوا معه بدعم وغطاء من “الكبار” -مثل روسيا- وخاضوا سباق التنازلات باسم الحل والواقعية السياسية، فستحين تلك اللحظة التي يوافق فيها الكبار ويتقبل فيها النظام ومن معه استبدال رئيسه وجوقته بهم، أو على الأقل أن يتقبل مشاركتهم له بالسلطة وبما يملؤ به جيوبه من خيرات السوريين، بعد أن تدرجوا طويلاً حتى أصبحوا وزراء ومسؤولين في هذا النظام الذي طالما استخدمهم كممثلين ثانويين مغمورين بأجور زهيدة في مشاهد بطولاته التي ينتجها من وقت لآخر.

كل هذه الخطط والتحركات انكشفت “سطحيتها” خلال الأشهر القليلة الماضية ولم يعد أمام أصحابها إلا أن يضجّوا برفع أصواتهم بالاعتراض ومهاجمة النظام وتجريمه بحجة الفساد -الذي كانوا هم أنفسهم جزءاً من منظومته ووزراء متنفذين في سلطته ولم يُظهروا مفاصلة حقيقة معه إلا بعد أن حكم النظام بانعدام فرصهم لديه-، فراحوا يحرضون ضمناً أو صراحة على “ثورة” وإنما ثورة جياع مغدورين، لا تشبه تلك التي لم ينضموا إلى صفوفها يوماً وقابلوا أبناءها بالسباب والشتائم مراراً، لعل النظام و “الكبار” يراجعون حساباتهم ويعيدون النظر في تنحية معارضي المنصات عن موائدهم، و يعاودون توظيفهم في مشاهد بطولات الأسد، ولو بوظيفة “كومبارس” مغمور وأجر زهيد كما كان عليه الوضع من قبل.

ضع تعليقاَ