أبريل 29, 2024

السعودية تستقبل وزير خارجية النظام لأول مرة منذ 2011

عملية الانفتاح على النظام بالرغم من البعد المعنوي والرمزي لها، إلا أنها منزوعة القيمة العملية -حتى الآن-، فلا يُتوقع من النظام أن يتجاوب فعلياً مع أي شروط أو تعهدات ولا الأنظمة التي تنفتح اليوم على النظام تنوي فعلياً تقديم دعم ذو أثر مفصلي على المشهد السوري بدون المقابل المطلوب

استقبل نائب وزير الخارجية السعودي، “وليد الخريجي”, وزير الخارجية والمغتربين لدى النظام “فيصل المقداد”، وذلك لدى وصوله إلى مطار الملك عبد العزيز في مدينة جدة، في 12 نيسان/أبريل 2023.

وقالت وزارة الخارجية السعودية -على تويتر-, إن “نائب وزير الخارجية، رحب بفيصل المقداد، الذي يزور المملكة في إطار دعوة من وزير الخارجية فيصل بن فرحان”.

وتضمنت الزيارة جلسة مباحثات حول الجهود المبذولة للوصول إلى حل سياسي للوضع في سوريا، يحافظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها، ولتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة في سوريا، -بحسب المصادر الرسمية-.

في ختام الزيارة صدر بيان صحفي مشترك تطرق للنقاط التالية:

  • اللقاء جاء بدعوة من وزير الخارجية السعودي.
  • جهود الحل السياسي للأزمة السورية، والحفاظ على وحدة سوريا، وأمنها، واستقرارها، وهويتها العربية، وسلامة أراضيها، بما يحقق الخير لشعبها الشقيق.
  • حل الصعوبات الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، و إنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية.
  • أهمية تعزيز الأمن، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وعلى ضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية، لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري.
  • تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتساهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي
  • ترحيب الجانبين ببدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين
  • تقدير النظام السوري لجهود السعودية لإنهاء الأزمة السورية، وتقديمها المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين من جراء الزلازل التي ضربت سوريا

التعليق

  • سحبت السعودية سفيرها من دمشق عام 2011، وجمدت علاقاتها الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد، واتخذت موقفاً حاداً من النظام عبرت عنه على لسان دبلوماسييها في المحافل الرسمية الدولية، كما كانت في وقت ما أحد الدول الداعمة للفصائل السورية المعارضة وجزءً من عملية إمداد هذه الفصائل بالعتاد والشرعية.
  •  نقطة التحول في طريقة التعامل السعودي مع الملف السوري كانت في 2016 عندما قررت السعودية التوقف عن دعم الفصائل السورية، واستضافت هيئة التفاوض السورية وبدأت تركز على بلورة حل سياسي يتضمن تشارك السلطة، بمساعدة الأمم المتحدة، وتزامنت هذه الخطوة مع لقاءات وتبادل للرسائل على المستوى الأمني بين النظام والسعودية في وقت استمرت فيه المناوشات الكلامية بين الطرفين حتى وقت قريب.
  • التواصلات السعودية مع النظام كانت قائمة منذ فترة على مستويات أمنية، ومستويات أخرى غير رسمية وأيضا من خلال أطراف وسيطة مثل الأردن والإمارات، ولعبت الدبلوماسية الإماراتية دوراً خاصاً في تطورات العلاقة بين النظام والسعودية.
  • تبدل الموقف السعودي من الملف السوري من مندفع باتجاه تحييد النظام وعزله ودعم الحل العسكري -مجاراة لموجة الربيع العربي و رغبة بمواجهة إيران-، إلى دعم الحل السياسي التشاركي وتشكيل هيئة التفاوض، إلى الانفتاح والتواصل مع النظام، ثم مؤخراً إلى فتح القنوات الدبلوماسية الرسمية وتبادل الزيارات و استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية.
  • يستند موقف السعودية -والعديد من الدول الأخرى التي تطبع علاقاتها مع النظام- إلى معطى تراجع زخم الثورة السورية وضعف احتمالية تغلب أحد الأطراف المتصارعة على الباقين، وبقاء النظام في السلطة -في المدى المنظور على الأقل-، بسبب غياب -أو تغييب- أدوات الفعل التي يمكن أن تزيح النظام في سوريا وخصوصاً منها الإرادة الدولية وتحديداً الولايات المتحدة، التي عايرت طريقة تدخلها في الشأن السوري منذ فترة على أساس تطويع وإدارة الأزمة مع النظام بدلاً من استبداله.
  • التطور الأخير في الموقف السعودي وإن جاء على هامش كارثة زلزال 6 شباط/فبراير، إلا أنه فعلياً جاء بالتزامن مع تردي الأوضاع الداخلية لدى النظام لمستويات غير مسبوقة، والأهم أنه يأتي بالتزامن مع اتفاق التهدئة وتفعيل العلاقات مع إيران والذي ينعكس على الأوضاع في سوريا واليمن ولبنان، والعديد من القضايا التي تشكل نقاط توتر بين الرياض وطهران.
  • وبالرغم من أن التوجه للتطبيع تزامن مع العلاقات العربية المستجدّة مع إسرائيل، وانتقالها من دولة احتلال إلى دولة جوار، واستعادة العلاقات العربية مع إيران أيضاً، إلا أنّ ربط مسار التطبيع باحتمالية حصول انفكاك في العلاقة بين النظام وإيران، غير صحيح، بدلالة أنّ التطبيع لم يأخذ مجراه فعلياً إلا بعد التوصل لاتفاق تهدئة مع إيران، وهو ما يعني أنّ تجاوب النظام مع مسار التطبيع جاء في سياق الموافقة الإيرانية والاتفاق العربي مع إيران وليس الابتعاد عنها، إذ يجري التركيز على استراتيجية تقوم على الفصل بين الدور الإيراني الداعم للنظام، والدور الإيراني المؤذي للدول العربية.
  • وهنا لا يمكن إغفال المعطى المتعلق باستعداد النظام وحلفائه لتطبيع العلاقات، بعد أن كان أحد العوائق الأساسية لعملية الانفتاح هو النظام نفسه الذي كان مصراً على استمرار مسار المواجهة والحرب ويظهر تعنتاً كبيراً أمام أي مبادرة أو مشروع للحل، مؤخراً لمست بعض الدول استعداداً من طرف النظام للانفتاح والتواصل وإظهار المرونة للنقاش حول شروط التطبيع من خلال:
    • الوساطة أو الاقتراح الروسي الذي تم تقديمه للعديد من دول المنطقة مؤخراً -ومنها السعودية- بالانفتاح على النظام، والإيحاءات الروسية المستمرة بأنّ فتح أو رفع مستوى العلاقات معها في الشرق الأوسط يتضمن بشكل أو بآخر التعامل مع النظام
    •  إيران التي كانت تقف حائط سد بين العلاقة بين النظام والدول العربية وتعتبر أي مرونة يظهرها النظام تنازلاً غير مسموح، هذا الموقف تغير مؤخراً على هامش تطور العلاقات مع إيران وتحول دول المنطقة عن مطلب رحيل بشار الأسد ونظامه إلى مجرد إدخال تعديلات في بنية وطريقة عمل النظام.
    • المبادرة التركية التي جاءت على حين غرة بالنسبة للعديد من دول المنطقة ومثلت ما يشبه الاختبار لإمكانية التوصل لتفاهم من نوع ما مع النظام، واستجابة النظام لهذه المبادرة -وإن كانت استجابة مأزومة- إلا أنها أثارت رغبة دول المنطقة بالمبادرة إلى استغلال حاجة واستعداد النظام للانفتاح بشكل مباشر بدلاً من أن تتم عملية الانفتاح على النظام في سياق الأجندات والأولويات التركية.
  • ومع أن السعودية ليست الدولة الأولى ولا الوحيدة التي تطبع علاقتها مع النظام، إلا أن تطبيع العلاقات مع النظام من طرف السعودية له تبعات خاصة لعدة أسباب:
    • المملكة السعودية كانت من أبرز الدول التي قادت مسار القطيعة والمواجهة مع النظام في الفترة الأولى من الثورة السورية، ودعمت الفصائل السورية وأصدرت بيانات وتصريحات وصفتها في وقتها بالتاريخية حول دعمها و تأييدها لمطالب الشعب السوري.
    • المكانة التي تتمتع بها السعودية في المنطقة وريادتها للعديد من المشاريع والتوجهات، فموقف السعودية الجديد وسقف العلاقة الذي ستختطه سيتم استنساخه من قبل العديد من دول المنطقة وسينعكس موقفها المرن من النظام على موقف الدول الأخرى.
    • تأتي التحركات السعودية في الملف السوري في سياقات أكبر من المسألة السورية بحد ذاتها، تتعلق برؤية السعودية المستقبلية والاستقرار في المنطقة والحرب على الإسلام السياسي، و تموضعات السعودية الجديدة وعلاقتها بالولايات المتحدة والمحور الغربي والصين وروسيا وإيران، كل هذا يضفي على حدث التطبيع مع النظام بعداً خاصاً.
    • انعكاسات هذا الموقف على المعارضة السورية، إذ تعتبر السعودية من الجهات الأساسية التي قدمت الدعم للمعارضة السورية واحتضنت شرائح معينة مثل منصة موسكو والقاهرة، ورغم أنها ومنذ فترة قطعت الكثير من حبال التواصل مع أطراف المعارضة ولم تبق إلا على “شعرة هيئة التفاوض”، إلا أن تطور الموقف السعودي باتجاه الانفتاح الدبلوماسي الرسمي على النظام سينزع جزءً ليس بالهين من الشرعية والدعم عن المعارضة السورية أو أطراف منها على الأقل، ويضعف موقفها في العديد من المحافل.
  • لا يخفي النظام غبطته بالانفتاح السعودي، ويتعامل مع تطبيع العلاقات مع السعودية على أنه نهاية الأزمة بالنسبة له، لدرجة أنه -وبحسب مصادر خاصة- رفض وساطة من أطراف نافذة لتطبيع العلاقات مع الكويت ودول أخرى، لأن العلاقات مع السعودية في طريقها للتحسن والآخرون لن يكون أمامهم بعد ذلك إلا متابعة السعودية في توجهاتها، علماً أنه لا يملك أيّ قدرةٍ لاستعادة وحدة سورية بجهوده الذاتية، فمن أين سيؤمّن احتياجات إدلب أو الحسكة أو أرياف حلب، وكيف سيحكم بوجود كل هذه التواجدات الأجنبية -خصوصاً منها الأمريكي-، وكيف سيتعامل مع هيئة تحرير الشام، وفصائل الجيش الوطني؟ وما مصير عشرات ألوف المعتقلين والمغيبين في سجون النظام؟، وماذا عن ملف اللاجئين والإرهاب والكبتاجون وملفات أخرى معقدة خلفتها طريقة تعامل النظام وقراراته، ولا يوجد ما يؤشر لحلول فعلية لها بالتطبيع مع النظام بشكله الحالي.
  • في الوقت الحالي يجري الحديث بالفعل عن شروط سعودية لاستكمال عملية التقارب مع النظام ولكن دون توضيحات رسمية من الجانب السعودي، وحتى تتضح طبيعة التفاهمات التي تحكم التقارب مع النظام، فلا يوجد ما يدعو للتفاؤل بشأن التطبيع مع النظام السوري وإعادته للجامعة العربية، لأن الأسباب التي دعت لمقاطعته مازالت قائمة، بل وزاد عليها عدة ملفات وقضايا شائكة أخرى لا أحد يتحدث عن كيف ستتم معالجتها.
  • لذلك يُعتقد أن عملية الانفتاح على النظام بالرغم من البعد المعنوي والرمزي لها، إلا أنها منزوعة القيمة العملية -حتى الآن-، فلا يُتوقع من النظام أن يتجاوب فعلياً مع أي شروط أو تعهدات ولا الأنظمة التي تنفتح اليوم على النظام تنوي فعلياً تقديم دعم ذو أثر مفصلي على المشهد السوري بدون المقابل المطلوب
  • ويمكن القول أن عملية الانفتاح هذه يجري تفعيلها ومعايرتها بما يلزم لنجاح اتفاق التهدئة السعودية مع إيران أكثر من أي شيء آخر، بالإضافة إلى مكاسب أخرى مثل كف ضرر النظام -ولو جزئياً-، وتطوير التعاون الأمني، ومع أنها أنها بدأت بزخم معيّن إلا أنها على المستوى العملي ستتقدم ببطيء.

ضع تعليقاَ